غَيْرِي؟ قَالَت: نَعَم، رَبي وَرَبُّك الله، فَأَمَرَ ببَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ، ثُمَّ أَمَرَ بهَا أَنْ تُلْقَى هِيَ وَأَوْلادهَا فِيهَا، قَالَت: إِنَّ لي إِلَيْكَ حَاجَة، قَالَ: وَمَا حَاجَتُكِ؟ قَالَت: أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي في ثوْبٍ وَاحِدٍ وَتَدْفِنَنَا، قَالَ: ذاك لَكِ عَلَيْنَا [من الحق] (١)، قَالَ: فَأَمَرَ بأَوْلادِهَا، فَأُلقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَاحِداً وَاحِداً، إِلى أَن انْتَهَى ذلِكَ إِلَى صَبيٍّ لَهَا يرْضع، فكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ (٢) مِنْ أَجْلِهِ، قَال: يَا أُمَّاه، اقْتَحِمِي، فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَاب الآخِرَةِ، فَاقْتَحَمَتْ.
قال ابن عباس: تَكَلَّمَ أَرْبَعَة صغار: عِيسى ابن مَرْيَم، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ، وَشَاهِدُ يُوسُف، وَابْنُ مَاشِطَةِ [ابْنَةِ] (٣) فِرْعَوْنَ" (٤).
فإن قيل (٥) : ما الحكمة في تكليمه الناس في المهد؟
قلت: الحكمة في ذلك تنزيه أمه، وتحقيق معجزته.
قال ابن الأنباري (٦) : من أربى على الثلاثين فقد دخل في الكهولة. سمّي بذلك؛ لاجتماع قوَّته، وكمال شبابه، من قولهم: اكْتَهَلَ النَّبات (٧).
(٢)... قَعَسَ وتَقَاعَسَ: تأخر ورجع إلى خلف (اللسان، مادة: قعس).
(٣)... زيادة من مسند أحمد (١/٣٠٩).
(٤)... أخرجه أحمد (١/٣٠٩ ح٢٨٢٢).... قال الحافظ ابن حجر في الفتح (٦/٤٨٠) : ويحتمل أن يكون كلام الثلاثة المذكورين مقيداً بالمهد، وكلام غيرهم من الأطفال بغير مهد.
(٥)... كتب مقابلها في الهامش: بلغ محمد بن أحمد قراءة بمسجد الرقي مجلساً خامساً ثانية.
(٦)... انظر: زاد المسير (١/٣٩٠).
(٧)... انظر: اللسان، مادة: (كهل).