وإن أشرك بعضهم، أو هو استسلامهم لنفاذ أمر الله فيهم، أو يكون إسلام الكافر إذا رأى بأس الله، ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بالله وَحْدَهُ﴾ [غافر: ٨٤] أو سجود ظله، أو هو من العام الذي أريد به الخاص، تقديره: مَن في السموات والأرض من المسلمين.
قوله: ﴿قل آمنا بالله... الآية﴾ سبق تفسيرها في سورة البقرة (١). وإنما أتى هاهنا بحرف الاستعلاء وفي البقرة بحرف الانتهاء لصحة المعنيين؛ لأن الوحي ينزل من السماء وينتهي إلى المؤمنين والأنبياء.
وقيل: إنما قال هاهنا: ﴿وما أنزل علينا﴾ لأن الأمر بالقول للنبي - ﷺ -، وفي البقرة: الأمر للمؤمنين، والوحي ينتهي إليهم، والرسل يأتيهم الوحي بطريق الاستعلاء (٢)، وأَوْرَدُوا على هذا القول: ﴿إِنَّا أنْزَلْنَا إلَيْكَ﴾ [النساء: ١٠٥]، ﴿وأنْزَلْنَا إلَيْكَ﴾ [النحل: ٤٤]، ﴿آمِنُوا بالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ [آل عمران: ٧٢]، فلم يُرَاعَ هذا المعنى.
ويمكن أن يقال في الجواب عن هذا: الفرق المذكور صالح للتعليل به، وتجويز غيره لا يمنع من صلاحية التعليل به.
(٢) قاله الراغب الأصفهاني. وحكاه السمين في الدر المصون (٢/١٥٩).
... وقد ردّ هذا القول الزمخشري في الكشاف (١/٤٠٨) فقال: ومن قال إنما قيل "علينا" لقوله: "قل"، و"إلينا" لقوله: "قولوا" تفرقةً بين الرسول والمؤمنين؛ لأن الرسول يأتيه الوحي عن طريق الاستعلاء، ويأتيهم على وجه الانتهاء، فقد تعسَّف. ألا ترى إلى قوله: ﴿بما أنزل إليك﴾ [البقرة: ٤]، ﴿وأنزلنا إليك الكتاب﴾ [المائدة: ٤٨]، وإلى قوله: ﴿آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا﴾ [آل عمران: ٧٢].