وفي مسند الإمام من حديث سَيَّار (١) قَالَ: "جِيءَ برُؤُوسٍ مِنْ قِبَلِ العِرَاقِ، فَنُصِبَتْ عِنْدَ بَاب المَسْجِدِ، وَجَاءَ أَبُو أُمَامَةَ (٢) فَدَخَلَ المَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ -ثَلاثاً- وَخَيْرُ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ مَنْ قَتَلُوهُ، وَقَالَ: كِلابُ النَّارِ -ثَلاثاً- ثُمَّ إِنَّهُ بَكَى، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُمْ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: يَا أَبَا أُمَامَةَ؛ أَرَأَيْتَ هَذَا الحَدِيثَ حَيْثُ قُلْتَ: "كِلابُ أَهْلِ النَّارِ" شَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ الله - ﷺ - أَوْ شَيْءٌ تَقُولُهُ برَأْيِكَ؟ قَالَ: سُبْحَانَ الله، إِنِّي إِذاً لَجَرِيءٌ، لَقد سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ الله - ﷺ - مَرَّةً، وَمَرَّتَيْنِ، حَتَّى ذكَرَ سَبْعاً، فَقَالَ الرَّجُلُ: لأَيِّ شَيْءٍ بَكَيْتَ؟ قَالَ رَحْمَةً لَهُمْ" (٣).
وفي رواية أخرى عنه: "ثم قرأ: ﴿يوم تَبْيَضُّ وجوه وتَسْوَدُّ وجوه... إلى آخر الآية﴾ " (٤).
قوله: ﴿ففي رحمة الله﴾ يعني: الجنة.
قال ابن قتيبة (٥) : وسمى الجنة رحمة؛ لأن دخولهم إياها كان برحمته.
وقوله: ﴿هم فيها خالدون﴾ موقعه موقع الاستئناف. وكأنه قيل: كيف

(١) سيار بن عبد الله الأموي الدمشقي، مولى لآل معاوية، قدم البصرة، روى عن أبي الدرداء وابن عباس وأبي أمامة والخولاني، أخرج له الترمذي (تهذيب التهذيب ٤/٢٥٧).
(٢) صدى بن عجلان بن وهب، أبو أمامة الباهلي، صحابي جليل، سكن الشام وبها توفي سنة إحدى وثمانين (تهذيب التهذيب ٤/٣٦٨).
(٣) أخرجه الترمذي (٥/٢٢٦ ح٣٠٠٠) وقال: حديث حسن، وابن ماجه (١/٦٢ ح١٧٦)، وأحمد (٥/٢٥٠ ح٢٢٢٠٥).
(٤) أخرجه أحمد (٥/٢٥٦ ح٢٢٢٦٢).
(٥) تأويل مشكل القرآن (ص: ١٤٥).


الصفحة التالية
Icon