ومما يدل على قِلَّة مَن آمن منهم؛ ما أخرج في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: "لَوْ آمَنَ بي عَشَرَةٌ من اليَهُودِ، لَمْ يَبْقَ عَلَى ظَهْرِهَا يَهُودِيٌّ إِلاَّ أَسْلَم" (١).
قوله: ﴿لن يضروكم﴾ يعني: اليهود، ﴿إلا أذى﴾ أي: ضرراً مقتصراً على أذى، من بُهْتٍ (٢) يختلقونه، وباطل يلقونه.
ثم ضمن الله النصر للمسلمين، فقال: ﴿وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار﴾. وقوله: ﴿ثم لا ينصرون﴾ جملة معطوفة على الشرط والجزاء. والتقدير: ثم أخبركم وأبشركم أنهم لا ينصرون، ولذلك لم يجزم.
قوله (٣) :﴿ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا﴾ أي: أينما وجدوا، وقد سبق تفسيره في البقرة (٤)، ﴿إلا بحبل من الله﴾ في موضع الحال (٥)، على معنى: إلا معتصمين، أو متمسكين بحبل من الله، أي عهد منه، وعهد من الناس (٦)، الذين هم ناس على الحقيقة، وهم المسلمون، وعهدهم عقد الذمة لأهل الكتاب، ونسبته إلى الله لصدور الإذن فيه من جهته.
قال الزجاج (٧) : وما بعد الاستثناء في قوله: ﴿إلا بحبل من الله﴾ ليس من

(١)... أخرجه البخاري (٣/١٤٣٤ ح٣٧٢٥)، ومسلم (٤/٢١٥١ ح٢٧٩٣).
(٢) بَهَتَ فلانٌ فلاناً: إذا كذب عليه (اللسان، مادة: بهت).
(٣) كتب بالهامش: بلغ محمد بن أحمد قراءة بمسجد الرقي مجلساً خامساً.
(٤) عند الآية: ٦١.
(٥) انظر: التبيان (١/١٤٦)، والدر المصون (٢/١٨٨).
(٦) تفسير مجاهد (ص: ١٣٣).
(٧) معاني الزجاج (١/٤٥٧).


الصفحة التالية
Icon