أحدهما: أن الإنسانَ لا يعلم وجوه الصلاح، فرُبَّ مكروه عاد محموداً، ومحمودٍ عاد مذموماً.
والثاني: أن الإنسانَ لا يكاد يجد محبوباً، ليس فيه ما يكره، فليصبر على ما يكره لما يحب، وأنشدوا في هذا المعنى:
ومَنْ لَمْ يُغَمِّضْ عَيْنَهُ عَنْ صَدِيقِهِ... وَعَنْ بَعْضِ مَا فيهِ يَمُتْ وَهْوَ عَاتِبُ
وَمَنْ يتَّبعْ جَاهِداً كُلَّ عَثْرَةٍ... يَجِدْها وَلاَ يَسْلَمْ لَهُ الدَّهْرَ صَاحِبُ (١)
قوله تعالى: ﴿وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج﴾ أي: امرأة مكان امرأة، ﴿وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا﴾ : سبق بيانه في أوائل آل عمران (٢)، ﴿فلا تأخذوا منه﴾ أي: من القنطار ﴿شيئاً﴾.
وإنما خص حال الاستبدال بالنهي، لئلا يُتوهم جواز الاسترجاع فيما بذل في مقابلة الأبضاع، عند انقطاع الانتفاع، وهذا في حق المدخول بها، والتي خلا بها تتنزل منزلة المدخول بها، في تكميل المهر وإيجاب العِدَّة، قضى به الخلفاء الراشدون الأربعة، وذهب إليه الأئمة الأربعة، خَلا الشافعي في قوله الجديد (٣).
وفي هذا دليلٌ على جواز استكثار الصَّداق.
وقد روي: أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قام خطيباً، فقال: أيها الناس! لا تغالوا بصُدُقِ النساء، فلو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله، لكان أولاكم بها رسول الله - ﷺ - ما أصدق امرأة من نسائه أكثر من اثنتي عشرة

(١) انظر البيتين في: البحر المحيط (٣/٢١٤).
(٢)... عند تفسير الآية رقم: ١٤.
(٣) انظر: الهداية (١/٢٠٦)، وبداية المجتهد (٢/٢٦)، والمغني (٧/١٩١).


الصفحة التالية
Icon