وقرأت على شيخنا أبي البقاء اللغوي: "أبَلِّغْكُم" بسكون الغين، من طريق الزهري عن أبي زيد عن أبي عمرو، وشدده الباقون؛ كقوله: ﴿ بلِّغ ما أنزل إليك ﴾ [المائدة: ٦٧].
فإن قيل: الرسالة واحدة، فكيف جمع؟
قلت: أراد ما أوحي إليه في الأوقات المتطاولة والأزمان المختلفة، والمعاني المتكررة في الأوامر والنواهي والمواعظ والبشائر والنذائر، أو يريد رسالة الله إليه وإلى الأنبياء من قبله من صحف جده إدريس، وهي ثلاثون صحيفة، وصحف شيث، وهي خمسون صحيفة.
﴿ وأنصح لكم ﴾ بمعنى: أنصحكم، وزيدت اللام للمبالغة، ﴿ وأعلم من الله ﴾ من عظمته وجلاله وثوابه لمن أطاعه وعقابه لمن عصاه وانتقامه ممن خالفه ﴿ ما لا تعلمون ﴾.
وقيل: إنهم لم يسمعوا بقوم عذبوا قبلهم، فكانوا آمنين لا يعلمون ما علمه نوح من نزول العذاب بمن عاند الرسل وأصر على معاداتهم وتكذيبهم.
قوله تعالى: ﴿ أوَ عجبتم ﴾ هذه واو العطف دخل عليها ألف الاستفهام، والمعطوف عليه محذوف، كأنه قيل: أكذبتم وعجبتم ﴿ أن جاءكم ﴾ أي: من أن جاءكم ﴿ ذكر ﴾ موعظة وبيان ﴿ من ربكم على رجل ﴾ أي: مع رجل، أو على لسان رجل ﴿ منكم ﴾ من البشر ﴿ لينذركم ﴾ ليعلمكم مخوفاً لكم من عاقبة كفركم ﴿ ولتتقوا ﴾ أي: ليوجد منكم الخشية بسبب الإنذار ﴿ ولعلكم ترحمون ﴾ إن اتقيتم.
﴿ فكذبوه فأنجيناه والذين معه ﴾ يريد: الذين آمنوا به واتبعوه على دينه ﴿ في الفلك ﴾ وهي السفينة.
(١/١٦٥)