السوداء، فإنها أكثر ماءً، فنادى:
اخترتَ رَمَاداً رمْدِدَا... لا يبقي من آل عَادٍ أحَدَا
لا والداً ولا ولدَا... إلا جعلتُهم هَمِدَا
ثم ساق الله تعالى السحابة إليهم حتى خرجت عليهم من واديهم، فلما رأوها استبشروا بها وقالوا: هذا عارض ممطرنا، وكان أول من أبصر ما فيها امرأة منهم يقال لها: مَهْدَد، فصاحت وصعقت، فقيل لها: ما رأيت؟ قالت: رأيت ريحاً فيها شهب النار، أمامها رجال يقودونها، فسخّرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حُسوماً، واعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبهم منها إلا ما تلين منه الجلود وتلتذ عليه النفوس، فكانت تقلع الشجر وتهدم البيوت، ومن لم يكن في بيته هبت به الريح حتى تقطعه بالجبال، وكانت ترفع الظعن ما بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة، وخرج وفد عاد من مكة فنزلوا على معاوية بن بكر، فبينما هم عنده إذ أقبل رجل على ناقة في ليلة مقمرة مساء ثالثة من مصاب عاد فأخبرهم الخبر، فقالوا له: أين فارقت هوداً وأصحابه؟ قال: فارقتهم بساحل البحر، فكأنهم شكّوا فيما حدثهم به، فقالت هذيلة بنت بكر: صدق والله (١).
وذكروا: أن مرثد بن سعد، ولقمان بن عاد، وقَيْل بن عنز، حين دعوا قيل لهم: قد أُعْطيتُم مُناكم لدعائكم فاختاروا لأنفسكم، إلا أنه لا سبيل إلى الخلود ولا بد من الموت، فقال مرثد: يا رب أعطني براً وصدقاً، فأعطي ذلك. وقال قَيْل: أختار أن يصيبني ما أصاب قومي، فقيل له: الهلاك، فقال: لا أبالي، لا حاجة لي في البقاء

(١)... ذكره الطبري في تفسيره (٨/٢١٨-٢٢٠)، وتاريخه (١/١٣٤-١٣٦).
(١/١٧٤)


الصفحة التالية
Icon