فبعث الله إليهم صالحاً عليه السلام شاباً، فدعاهم إلى التوحيد، وحذّرهم وأنذرهم، حتى كبر وشَمِط (١)، فلم يتبعه إلا قليل، وتمادوا في غيّهم، واقترحوا عليه أن يخرج معهم في يوم عيد لهم، وكانوا يخرجون فيه أصنامهم، وقالوا: ندعوا آلهتنا وتدعو إلهك، فإن استجيب لنا اتبعتنا، وإن استجيب لك اتبعناك. فقال لهم صالح: نعم، فخرجوا في ذلك اليوم وخرج صالح عليه السلام، فدعوا أوثانهم وسألوها الاستجابة، فلم تجبهم إلى شيء، فاقترح جندع بن عمرو -وكان سيد قومه- على صالح أن يسأل ربه أن يخرج لهم من الكاثبة -وهي صخرة معروفة عندهم في ناحية الحِجْر- ناقة مخترجة جوفاء وبراء عشراء، -والمخترجة: المشاكلة للبخت-، فأخذ صالح عليهم الميثاق إن فعل ليصدّقن، قالوا: نعم. فصلّى صالح ودعا ربه، فتمخضت الصخرة تمخض الحامل بولدها، فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء وبراء كما وصفوا، لا يعلم ما بين جنبيها إلا الله، وهم ينظرون، ثم نتجت فصيلاً يناسبها في العِظَم، فآمن به جندع ورهطه، وأراد أشراف ثمود أن يؤمنوا به ويصدقوه، فنهاهم ذؤاب بن عمرو بن لبيد، والحباب صاحب أوثانهم، ورباب -وكانوا من أشراف ثمود-، وكان لجندع بن عمرو ابن عم يقال له: شهاب بن خليفة، فأراد أن يسلم، فنهاه أولئك الرهط، فأطاعهم، فقال رجل من ثمود (٢) :
وكانت عصبة من آل عمرو | إلى دين النبي دعوا شهابا |
عزيز ثمود كلهم جميعاً | فهمّ بأن يجيب ولو أجابا |
(٢)... يقال له: مهوس بن عنمة بن الدميل. انظر الأبيات في: الطبري (٨/٢٢٦).
(١/١٧٨)