شد عليها بسيف فقطع عُرْقُوبها (١)، فخَرَّتْ ورَغَتْ، ثم نحرها واقتسموا لحمها وطبخوه، فجاء الخبر إلى صالح فأقبل، فأخذوا يعتذرون إليه ويقولون: إنما عقرها فلان، فقال: انظروا هل تدركون فصيلها، فإن أدركتموه فعسى أن يرفع عنكم العذاب، فوجدوه قد رقى رأس جبل اسمه: قارة، فذهبوا ليأخذوه، فمنعتهم القدرة الإلهية، وخالف بينهم وبينه بأن تطاول الجبل حتى لا تناله الطير، فأقبل صالح نحوه، فلما رآه الفصيل بكى حتى سالت دموعه، ثم رغا ثلاثاً، وانصدعت الصخرة فدخل فيها، وكان عقر الناقة يوم الأربعاء، فقال صالح: تمتّعوا في داركم ثلاثة أيام، لكل رغوة أجل يوم. وآية ذلك: أنكم تصبحون غداة "مُؤْنِس" ووجوهكم مصفرّة، ثم تصبحون غداة "عَروبة" ووجوهكم محمرّة، ثم تصبحون غداة "شِيار" ووجوهكم مسودّة، ثم يصبحكم العذاب غداة "أول"، فأصبحوا في غداة مؤنس كأن وجوههم طُليت بالخَلُوق (٢)، وفي يوم عَروبة كأنها خضبت بالحِنّاء، وفي يوم شِيار كأنها طُليت بالقَار (٣)، فأيقنوا بالعذاب. وخرج صالح بمن آمن معه من بين أظهرهم، وتحنطوا وتكفنوا وألقوا أنفسهم بالأرض لا يدرون من أين يأتيهم العذاب، يلقون أبصارهم إلى السماء تارة، وإلى الأرض أخرى، فلما أصبحوا في اليوم الرابع وارتفع الضحى أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل

(١)... العُرْقوب: هو ما ضمّ ملتقى الوظيفين والساقين من مآخرهما من العَصَب (اللسان، مادة: عرقب).
(٢)... الخَلُوق: الزعفران (اللسان، مادة: خلق).
(٣)... القارُ: هو صُعُدٌ يذاب فيستخرج منه القار، وهو شيء أسود تطلى به الإبل والسفن يمنع الماء أن يدخل (اللسان، مادة: قير).
(١/١٨٠)


الصفحة التالية
Icon