التخيير احتقاراً وازدراء بشأنهم الذي قد حشدوا وحشروا الناس لأجله، وإظهاراً لقلة المبالاة به.
والرابع: أنه عليه السلام أراد دفع باطلهم بالحق الذي جاء به، وأن يقروا ذلك في نفوسهم. فلو ألقى قبلهم لخامر قلوبهم من الوجل الذي لزم منه اختلال النظر ما خامرهم أوّلاً حين ازدحموا حتى مات منهم خمسة وعشرون ألفاً، فأمرهم بالإلقاء قبله ليروا بأبصارهم الناظرة، وبصائرهم الحاضرة، أَثَرَ معجزته في سحرهم العظيم الذي جاؤوا به، فيكون ذلك أبلغ في تحقيق معجزته وتحصيل مقصوده وإقامة حجته.
قوله تعالى: ﴿ فلما ألقوا سحروا أعين الناس ﴾ قلبوها عن صحة إدراكها حتى رأوا الحبال والعصي حيات غلاظاً قد ملأت الأرض، ﴿ واسترهبوهم ﴾ قال الزجاج (١) : استدعوا رهبَتَهُم حتى رهبهم الناس.
ويجوز أن تكون السين زائدة كما سبق، على معنى: أرهبوهم (٢).
﴿ وجاؤوا بسحر عظيم ﴾ في بابه.
﴿ وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك ﴾ فيه إضمار، تقديره: فألقاها، ﴿ فإذا هي تلقف ﴾. قرأ حفص: بإسكان اللام وتخفيف القاف حيث وقع. وقرأ الباقون: بفتح اللام وتشديد القاف (٣). يقال: لَقِفْتُ الشيء وألْقَفه لَقْفاً وتَلَقَّفْته

(١)... معاني الزجاج (٢/٣٦٦).
(٢)... وهو قول المبرد.
(٣)... الحجة للفارسي (٢/٢٥٩)، والحجة لابن زنجلة (ص: ٢٩٢)، والكشف (١/٤٧٣)، والنشر (٢/٢٧١)، وإتحاف فضلاء البشر (ص: ٢٢٨)، والسبعة في القراءات (ص: ٢٩٠).
(١/٢٢٣)


الصفحة التالية
Icon