الدنيا فأُبيحهم جنتي يتبوؤا فيها حيث شاؤوا، وأما الورعون عما حرّمت عليهم فإنه إذا كان يوم القيامة لم يبق عبد إلا ناقشتُه الحساب، إلا الورعين فإني أجلّهم وأكرمهم وأدخلهم الجنة بغير حساب. وأما البكَّاؤون من خيفتي فأولئك لهم الرفيق الأعلى لا يُشارَكون فيه" (١).
قال المفسرون: طمع موسى حينئذ في الرؤية فقال: ﴿ رب أرني أنظر إليك ﴾. مفعول "أرني" الثاني محذوف (٢). قال الزجاج (٣) : تقديره: أرني نفسك أنظر إليك.
والمعنى: مَكِّنِّي من الرؤية بتَجَلِّيكَ لي.
وفي هذا دليلٌ واضحٌ على أن رؤية الله تعالى غير مستحيلة؛ لأنها لو كانت مستحيلة لما سألها موسى، ولأنكر الله عليه سؤالها. وما ظنك بقوم بلغ من تهالكهم ورفضهم صريح الكتاب وصحيح الأحاديث وتكذيبهم بما تتقاصر عقولهم السخيفة عن إدراكه حتى نسبوا موسى عليه السلام في سؤاله الرؤية لله إلى أحد أمرين؛ إما جهله بالله وما يجوز عليه وما لا يجوز، وأعظم بها فرية منهم. وإما إقدامه واجتراؤه على السؤال مع علمه بعدم الجواز على ظنهم الفاسد، فيالها جرأة على كليم الله وصفيّه. وزعم بعض غلاتهم أنه إنما سأل الرؤية لتبكيت السبعين الذين قالوا: ﴿ أرنا الله جهرة ﴾ حتى يشاهد، ولما عساه يحدث به فيعتبروا أو يسمعوا كلام الله لموسى بالنهي أو بالنفي فينزجروا، فما أحقهم وأولاهم بإنشاد ما
(٢)... انظر: الدر المصون (٣/٣٣٨).
(٣)... معاني الزجاج (٢/٣٧٣).
(١/٢٤٧)