قال قتادة: كان هذا الحي من العرب أذلّ الناس وأشقاهم عيشاً، وأعراهم جلداً، وأجوعهم بطناً، وأبينهم ضلالاً، يُؤكلون ولا يَأكلون، ومَكَّنَ لهم في البلاد، ووَسَّعَ لهم الرزق والغنائم، وجعلهم ملوكاً (١).
يا أيها الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَن اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
قوله تعالى: ﴿لا تخونوا الله والرسول... الآية﴾ ذهب ابن عباس والأكثرون إلى أنها نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر. وكان من قصته على ما حدثنيه شيخنا موفق الدين أبو محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي -قدّس الله روحه- بإسناده، عن السائب بن أبي لبابة، عن أبيه قال: "لما أرسلت قريظة إلى رسول الله - ﷺ - يسألونه أن يرسلني إليهم حين اشتدّ عليهم الحصر، فقال رسول الله - ﷺ -: اذهب إلى حلفائكم، فإنهم أرسلوا إليك من بين الأوس. قال: فدخلتُ عليهم فَبَهَشُوا إليّ (٢) وقالوا: يا أبا لبابة، نحن مواليك دون الناس كلهم، ومحمد يأبى أن يفارق حصننا حتى ننزل على حكمه، فلو زال عنا لحقنا بأرض الشام أو خيبر ولم نُكَثّر عليه جمعاً أبداً، فما ترى في النزول على حكمه؟ قال: نعم فانزلوا، وأومأ إلى حلقه هو الذبح. قال: فندمت واسترجعت، وقلت: خنت الله ورسوله، فنزلت

(١)... أخرجه الطبري (٩/٢٢٠). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤/٤٧) وعزاه لابن المنذر وابن جرير وأبي الشيخ.
(٢) بَهَشُوا: أي: أقبلوا (اللسان، مادة: بهش).
(١/٤٠٥)


الصفحة التالية
Icon