التي ليس فيها موجود غير المعبود، أثير ساكني وأمتحن خاطري، فقام إبراهيم ومشى وقال: دعه يكون معك، فلم يزل يسايرنا إلى بطن مَرّ، فقام إبراهيم ونزع خلقانه وطهرها بالماء، ثم جلس، وقال له: ما اسمك؟ قال: عبد المسيح، فقال: يا عبد المسيح، هذا دهليز مكة، وقد حرّم الله على أمثالك الدخول إليه، وقرأ: ﴿إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا﴾ [التوبة: ٢٨]، والذي أردتَ أن تستكشف من نفسك فقد بان لك، فاحذر أن تدخل مكة، فإن رأيناك بمكة أنكرنا عليك.
قال حامد: فتركناه ودخلنا مكة، وخرجنا إلى الموقف، فبينا نحن جلوس بعرفات إذا هو قد أقبل وعليه ثوبان وهو محرم يتصفّح الوجوه، حتى وقف علينا، فأكبّ على إبراهيم يقبّل رأسه، فقال له: ما وراءك يا عبد المسيح؟ فقال: هيهات، أنا اليوم عبدُ مَنِ المسيحُ عبده، فقال له إبراهيم: حدثني حديثك. فقال: جلست مكاني حتى أقبلت قافلة الحاج، فقمت وتنكرت في زي المسلمين كأني محرم، فساعة وقعت عيني على الكعبة اضمحلّ عندي كل دين سوى الإسلام، فأسلمت واغتسلت وأحرمت، وها أنا أطلبك يومي. فالتفت إلينا إبراهيم وقال: يا حامد، انظر إلى بركة الصدق في النصرانية كيف هداه إلى الإسلام، وصحبنا حتى مات بين الفقراء، رحمه الله (١).
وإذ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ

(١)... أخرجه ابن قدامة في التوابين (ص: ٢٩٨-٣٠٠).
(١/٤١٥)


الصفحة التالية
Icon