قال الزهري: لما دخل رسول الله - ﷺ - وأبو بكر الغار أرسل الله تعالى زوجاً من حمام حتى باضا في أسفل النقب، والعنكبوت حتى نسج بيتاً. فلما جاء سراقة بن مالك في طلبهما قال: لو دخلاه لتكسر البيض وتفسخ بيت العنكبوت (١).
وفي الصحيحين من حديث أنس: "أن أبا بكر رضي الله عنه قال: نظرتُ إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وعلى رؤوسنا، فقلت: يا رسول الله! لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه!! فقال: يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما" (٢).
وقال محمد بن سيرين: "ذُكِرَ رجالٌ في عهد عمر، فكأنهم فَضَّلُوهُ على أبي بكر، فبلغ ذلك عمر فقال: والله لليلة من أبي بكر خير من عمر وآل عمر، وليوم من أبي بكر خير من آل عمر. لقد خرج رسول الله - ﷺ - ليلة انطلق إلى الغار ومعه أبو بكر، فجعل يمشي ساعة بين يديه وساعة خلفه، حتى فطن له رسول الله - ﷺ -. فقال له: يا أبا بكر! ما لك تمشي ساعة بين يديّ وساعة خلفي؟ فقال: يا رسول الله! أذكر الطلب فأمشي خلفك، وأذكر الرصد فأمشي أمامك. فقال: يا أبا بكر! لو كان شيء أحببت أن يكون بك دوني، فقال: نعم والذي بعثك بالحق. فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: مكانك يا رسول الله حتى أستبرئ الغار. ثم قال: انزل يا رسول الله فنزل. فقال عمر: والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر" (٣).

(١)... ذكره البغوي في تفسيره (٢/٢٩٦). قال الماوردي في تفسيره (٢/٣٦٤) : وذهب بعض المتعمقة في غوامض المعاني إلى أن قوله تعالى: ﴿إذ هما في الغار﴾ أي: في غيرة على ما كانوا يرونه من ظهور الكفر فغار على دين ربه. وهو خلاف ما عليه الجمهور.
(٢) أخرجه البخاري (٣/١٣٣٧ ح٣٤٥٣)، ومسلم (٤/١٨٥٤ ح٢٣٨١).
(٣)... أخرجه الحاكم في المستدرك (٣/٧ ح٤٢٦٨) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين لولا إرسال فيه، ولم يخرجاه.
(١/٤٩٩)


الصفحة التالية
Icon