"ثلاث من كنّ فيه فهو منافق: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا وعد أخلف"، ما عنيتكم بهنّ، إنما عنيت المنافقين. أما قولي: "إذا حدث كذب"، فإن المنافقين أتوني فقالوا: والله إن إيماننا كإيمانك، وتصديق قلوبنا كتصديق قلبك، فأنزل الله: ﴿إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون﴾ [المنافقون: ١].
وأما قولي: "وإذا ائتمن خان"، فإن الأمانة الصلاة، والدين كله أمانة، قال الله تعالى: ﴿إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً﴾ [النساء: ١٤٢]، وفيهم قال: ﴿فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراؤون﴾ [الماعون: ٤-٦].
وأما قولي: " [وإذا] (١) وعد أخلف"، فإن ثعلبة أتاني فقال: إني مولع بالسائمة، ولي غنيمات، فادْعُ الله أن يبارك فيهن، فدعوت الله فَنَمَتْ وزادت حتى ضاقت الفجاج بها، فسألته الصدقة، فأبى عليّ وبخل بها، فأنزل الله فيه: ﴿ومنهم من عاهد الله﴾ -إلى قوله-: ﴿فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون﴾، فَسُرِّيَ عن أصحاب رسول الله - ﷺ - وبرّوا وتصدقوا بمال عظيم (٢).
(٢) انظر: القرطبي (٨/٢١٣-٢١٤).
(١/٥٥٧)