فسمعهم، فابتدأ بسورة يوسف، فلما بلغ إلى قصة الذئب قرأ: "فأكله الذيب" بغير همز. قال له حمزة: الذئب بالهمز، فقال له الكسائي: وكذلك أهمز الحوت في "فالتقمه الحؤت" قال: لا. قال: فلم همزت الذئب ولم تهمز الحوت؟ فرفع حمزة بصره إلى خلاد وكان [أجمل] (١) غلمانه، فتقدم إليه في جماعة [من] (٢) أهل المجلس فناظروه، فلم يصنعوا شيئاً. فقالوا: أفدنا يرحمك الله! فقال لهم الكسائي: تفهموا عن الحائك. تقول: إذا نسبت الرجل إلى الذئب: قد استذأب الرجل، فلو قلت: قد استذاب بغير همز، لكنت إنما نسبته إلى الهزال، تقول: قد استذأب الرجل؛ إذا استذاب شحمه، بغير همز، وإذا نسبته إلى الحوت قلت: قد استحات الرجل، أي: كثر أكله؛ لأن الحوت يأكل كثيراً، لا يجوز فيه الهمز، فلتلك العلة همز الذئب ولم يهمز الحوت. وفيه معنى آخر: لا يسقط الهمز من مفرده ولا من مجموعه. وأنشدهم:
أيها الذئب وابنه وأبوه... أنت عندي من أذأب ضاريات
فسمي الكسائي من ذلك اليوم (٣).
فإن قيل: ما الحكمة في تخصيصه الذئب من بين سائر المخاوف؟
قلت: قد روي عن ابن عباس: أن يعقوب عليه السلام كان رأى في منامه أن ذئباً شدَّ على يوسف، فكان يَحْذَرُه (٤).
(٢)... زيادة من تاريخ بغداد، الموضع السابق.
(٣)... انظر هذه القصة في: تاريخ بغداد (١١/٤٠٥).
(٤)... ذكره الواحدي في الوسيط (٢/٦٠٢)، وابن الجوزي في زاد المسير (٤/١٨٨).
(١/٢٨٦)