قال مقاتل (١) : المعنى: كيف تقضون بالجَوْر؟
قوله تعالى: ﴿وما يتبع أكثرهم إلا ظناً﴾ قال الثعلبي والشيخ أبو الفرج ابن الجوزي وكثير من العلماء (٢) : المراد بالأكثر: الكل، وقالوا: المعنى: وما يتبعون إلا الظن في قولهم أنها آلهة.
وقال صاحب الكشاف (٣) : المعنى: وما يتبع أكثرهم في إقرارهم بالله إلا ظناً؛ لأنه قول غير مستند إلى برهان عندهم.
والقولان بعيدان، فإن إطلاق الأكثر على الكل في غاية الشذوذ إن ثبت جواز استعماله.
وقول صاحب الكشاف بعيد أيضاً؛ لأن البراهين على معرفة الله والاستدلال بالصنعة على الصانع أمر ظاهر لمن له أدنى مُسْكة من عقل، ولذلك احتجّ الله تعالى عليهم مُلزماً لهم باعترافهم وإقرارهم بالله، وأنه الذي خلقهم ورزقهم، ولم يجدوا بُدّاً من الانقياد إلى تسليم ما ألزموا به، مع استلزام تسليم ذلك بطلان ما انتحلوه ديناً، ولو كان منشأ إقرارهم -كما زعم صاحب الكشاف- لكانوا بسبيل من الإنكار على ما هو المتعارف المتعاهد من ذوي الخصام.
والذي يظهر في نظري: أن المعنى: "وما يتبع أكثرهم" وهم الهمج الرعاع، والاتباع في قولهم أن الأصنام آلهة، "إلا ظناً"؛ لأنه قول لا يقوم بصحته دليل نقلي ولا برهان عقلي.

(١)... تفسير مقاتل (٢/٩٢).
(٢)... الثعلبي (٥/١٣٢)، وزاد المسير (٤/٣١).
(٣)... الكشاف (٢/٣٣٠).
(١/٤٦)


الصفحة التالية
Icon