وقال أبو علي [الفارسي] (١) : رُبَّ حرف جر، و "ما" كافَّة لـ"رُبَّ" عن عملها، ألا ترى أنها دخلت على الفعل، وحرف الجر لا يدخل على الأفعال، فدخول "ما" عليها نفتها عن عملها وهيّأتها [للدخول] (٢) على الفعل.
فمن قرأ "رُبَّما" بالتشديد؛ فعلى الأصلين؛ لأن رب على ثلاثة أحرف، مثل: ثُمَّ.
ومن قرأ بالتخفيف؛ فلأن رُبَّ حرف مضاعَف، والحروف المضاعفة قد تحذف مثل: إنّ وأنّ ولكنّ، وليس كل المضاعف يُحذف، لم أعلم الحذف في ثُمَّ.
فإن قيل: كيف وَليها الفعل المضارع وقد أبَوْا دخولها إلا على الماضي؟ كقول الشاعر:
رُبَّمَا أوْفيتُ في عَلَمٍ... تَرْفَعْنَ ثوبي شَمالاتُ (٣)
قلت: حمله أبو إسحاق على إضمار كان، على تقدير: رُبَّما كان يودّ، وأجود منه أن يكون على حكاية الحال. وقد حكى الكسائي عن العرب ربما يندم فلان، قال الشاعر:

(١)... الحجة للفارسي (٣/٢٠، ٢٢، ٢٤). وما بين المعكوفين في الأصل: الفاسي.
(٢)... زيادة من الحجة (٣/٢٢).
(٣)... البيت لجذيمة الأبرش. انظر: الأزهية (ص: ٩٤، ٢٦٥)، وخزانة الأدب (١١/٤٠٤)، وشرح أبيات سيبويه (٢/٢٨١)، وشرح التصريح (٢/٢٢)، وشرح شواهد الإيضاح (ص: ٢١٩)، وشرح شواهد المغني (ص: ٣٩٣)، والكتاب (٣/٥١٨)، والمقتضب (٣/١٥).
... وشمالات: جمع شمال، والشَّمال من الرياح: ما استقبلك عن يمينك إذا وقفت في القبلة. وقيل: مهبّ الشمال من بنات نعش إلى مقْسَطِ النسر الطائر (اللسان، مادة: شمل).
(١/٥٧٩)


الصفحة التالية
Icon