فصل


قلت يوماً لولدي محمد.. (١) وهو قد أربى على عشر سنين بقليل، وكان يتلو عَلَيَّ هذه السورة، فلما جاء إلى هذه الآية قلت له ممتحناً لخاطره: هؤلاء قوم كفار، فكيف قالوا: ﴿يا أيها الذي نزل عليه الذكر﴾ ؟
فقال: الجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أنه استهزاء منهم به - ﷺ -، كما قال قوم فرعون لموسى: ﴿إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون﴾ [الشعراء: ٢٧]، فحمدت الله تعالى على توفيقه للصواب. وما أعرف للآية وجهاً سوى هذا.
فقلت: والوجه الثاني، ما هو؟
فقال: الوجه الثاني: أن يكون قوله: ﴿يا أيها الذي نزل عليه الذكر﴾ نداء من الله له، لا مما حكاه عنهم، يشير إلى أنه كلام معترض، ينعي به عليهم سوء حالهم في نسبتهم من اختصه الله تعالى لإنزال الذكر عليه إلى الجنون.
وهذا وجه سديد لا يتقاصر في الجودة عن الذي قبله، بل ربما زاد عليه.
قوله تعالى: ﴿لو ما تأتينا بالملائكة﴾ قال أبو عبيدة (٢) : لولا ولوما لغتان بمعنى واحد، وأنشد لابن مقبل:
لوْمَا الحياءُ ولوْمَا الدِّينُ عِبْتُكُمَا... ببعضِ ما فيكُما إذْ عِبْتُما عَوَري (٣)
(١)... كلمة غير مقروءة في مصورة الأصل.
(٢)... مجاز القرآن (١/٣٤٦).
(٣)... البيت لابن مقبل يخاطب ابنتي عَصَر. وانظر: البحر (٥/٤٣١)، والدر المصون (٤/٢٨٩)، والطبري (١٤/٦)، وزاد المسير (٤/٣٨٣)، واللسان (مادة: بعض)، والكشاف (٢/٥٣٥).
(١/٥٨٥)


الصفحة التالية
Icon