كتبه الله تعالى على نفسه من حفظ كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين [يديه] (١) ولا من خلفه، أن يحرفوا مواضع من القرآن ويُنزلوها على وفق أهوائهم؛ فقرأ قارئ منهم في محفل من محافلهم آيات من سور شتى انتخبتها طواغيتهم، ولفقوها تلفيقاً متناقضاً، ونظموها نظماً تشهد رصانة القرآن وفصاحته بتهافتها وافترائها، وأنا أستحيي من حكايتها، وأستغفر الله تعالى من جريان قلمي بكتابتها، فقرأ آيات كثيرة منها: "إنما وليكم الله ورسوله وعلي الذين يقيمون الصلاة"، وقرأ: "أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كعلي آمن بالله" وفساد هذا في العربية أكثر وأظهر من أن يذكر، وقرأ: "إن الله وملائكته يَصِلونَ علياً بالنبي"، وقرأ: "فأما عليٌ فأعطى واتقى وصدق بالحسنى"، وزاد آية في كتاب الله فقرأ في سورة الشعراء عند قوله: ﴿وإنه لفي زبر الأولين﴾ :"وإن علياً وشيعته لهم الفائزون"، في آيات كثيرة اقترؤوها ثم افتروها.
فلما شاع ذلك وذاع، وحدثني به رجل صالح من فضلاء القُرَّاء ممن حضر وسمع، لزمتني حجة الله الذي اتخذها على الذين أوتوا الكتاب ليبيّننه للناس ولا يكتمونه، وطوّقت القول في ذلك طوق الحمامة، فرفعت حديثه إلى والي الأمر بالموصل، فنفى ذلك القارئ من البلاد، وأراح منه العباد.
ومن أعجب ما بلغني عن بعض عظمائهم أنه قال: إنما أنكروا ذلك لكونه في فضائل علي عليه السلام، فقلت: لو أن شخصاً استحل الزيادة في كتاب الله أو التحريف فيه بتوحيد الله وتمجيده والثناء عليه، مضيفاً ذلك إلى القرآن، معتقداً

(١)... زيادة على الأصل.
(١/٥٨٨)


الصفحة التالية
Icon