﴿أن لا يتخذوا﴾ قرأ أبو عمرو: "يتخذوا" بالياء، على معنى: لئلا يتخذوا، وهكذا قرأها ابن عباس ومجاهد بزيادة اللام (١). وقرأ الباقون: "تتخذوا" بالتاء (٢)، على طريقة الالتفات من الغيبة إلى الخطاب.
وقال الزمخشري (٣) وغيره: "أن" بمعنى: أي، أي: جعلناه هدى لبني إسرائيل أي لا يتخذوا، كما تقول: كتبتُ إليه أن افعل كذا. وقيل: هو على إضمار القول، أي: قلنا لهم لا تتخذوا.
فعلى هذا؛ "أن" زائدة؛ لأنها مع الفعل بتأويل المصدر، فلا تصلح أن تكون مفعولاً لـ"قلنا"، ويجوز أن يكون التقدير: جعلناه هدى بأن لا تتخذوا.
قال الزجاج (٤) : المعنى: لا تتوكلوا على غيري، ولا تتخذوا من دوني رَباً.
قوله تعالى: ﴿ذرية من حملنا مع نوح﴾ قال مجاهد: هذا نداء، والناس كلهم ذرية نوح (٥).
وهذا معنى ظاهر على قراءة الأكثرين. وعلى قراءة أبي عمرو لا بد فيه من إضمار، تقديره: يا ذرية من حملنا مع نوح لا تتخذوا من دوني وكيلاً، فحذف اعتماداً على دلالة ما سبق. أو يكون المقصود بندائهم: إعلامهم مكانة نوح والثناء عليه، تقديره: يا ذرية من حملنا مع نوح اعلموا أنه كان عبداً شكوراً، فاشكروني

(١) البحر المحيط (٦/٧).
(٢)... الحجة للفارسي (٣/٤٨)، والحجة لابن زنجلة (ص: ٣٩٦)، والكشف (٢/٤٢)، والنشر (٢/٣٠٦)، وإتحاف فضلاء البشر (ص: ٢٨١)، والسبعة في القراءات (ص: ٣٧٨).
(٣)... الكشاف (٢/٦٠٦).
(٤)... معاني الزجاج (٣/٢٢٦).
(٥)... ذكره الواحدي في الوسيط (٣/٩٦)، وابن الجوزي في زاد المسير (٥/٦).
(١/١٢٣)


الصفحة التالية
Icon