قال بعض العلماء: العرب تسمي شبه الشيء أخاه وأخته. قال الله تعالى: ﴿وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها﴾ [الزخرف: ٤٨].
فكأنه قيل: يا شبيه هارون في الصلاح والعبادة والعفة: ﴿ما كان أبوك﴾ عمران ﴿امرأ سَوْء﴾ يعنون: زانياً ﴿وما كانت أُمُّكِ﴾ حَنَّة ﴿بغياً﴾. ولم أر أحداً من أرباب المعاني تعرّض لمقصودهم بذكر الأبوين ونفي الزنا عنهما. ويلوح لي فيه معنيان:
أحدهما: أن يكون مقصودهم من ذلك التعجب من تلبّسها بالفجور على ظنّهم، مع طهارة أعراقها وطيب منبتها، ألا تراهم يقولون: ﴿يا أخت هارون﴾ أي: يا بنت النبي، أو يا أخت الرجل الصالح، ﴿ما كان أبوك﴾ ممن يُتَّهم بفاحشة، ولا أُمّك ممن يُزَنُّ (١) بريبة، بل أنت من سلالة الرسالة وسِنْخ النبوة، ومعدن العلم والحكمة، فمن أين تطرّق إليك ما ظهر عليك؟
وفي هذا تنبيه على أثرة المرأة ذات الأصل الطاهر والمنبت الطيب، واجتناب ذوات المنابت الخبيثة، وقد أشار رسول الله - ﷺ - إلى ذلك في قوله: ((إياكم وخضراء الدِّمَن))، ثم فسَّرها فقال: ((المرأةُ الحسناء في مَنْبَت السُّوء)) (٢).
حذَّر - ﷺ - منها منفّراً عنها بما ذكر من خبث أصلها، مشبهاً لها في حسن منظرها

(١)... زَنَّهُ زَنّاً وأَزَنَّه: ظَنَّهُ به أو اتَّهمَه (اللسان، مادة: زنن).
(٢)... ذكره القضاعي في مسند الشهاب (٢/٩٦ ح٩٥٧)، وابن حجر في تلخيص الحبير (٣/١٤٥) وعزاه للرامهرمزي والعسكري في الأمثال وابن عدي في الكامل والقضاعي في مسند الشهاب والخطيب في إيضاح الملتبس، عن أبي سعيد الخدري.
(١/٤١٥)


الصفحة التالية
Icon