يقتبس منها ولكنها [تتضرّم] (١) في جوف شجرة فلا تحرقها، ثم خُمودها على قدر عظمها في أوشك من طرفة عين. فلما رأى ذلك موسى قال: إن لهذه النار لشأناً، ثم وضع أمرها على أنها مأمورة أو مصنوعة لا يدري من أمرها ولا بما أمرت، ولا من صنعها ولا لم صنعت، فوقف مُتحيراً لا يدري أيرجع أم يقيم؟ فبينما هو على ذلك إذ رمى بطرفه نحو فرعها فإذا هو أشد ما كان خضرة، وإذا الخضرة ساطعة في السماء، ثم لم تزل الخضرة تُنوَّرُ وتُسْفِرُ وتَبياضُّ حتى صارت نوراً ساطعاً عموداً ما بين السماء والأرض، عليه مثل شعاع الشمس تَكِلُّ (٢) دونه الأبصار، فكلما (٣) نظر إليه يكاد يخطف بصره، فعند ذلك اشتدّ خوفه، فردّ يده على عينه ولصق بالأرض وسمع الحسّ والوجس، إلا أنه [يسمع] (٤) حينئذ شيئاً لم يسمع السامعون بمثله عظماً، فلما بلغ موسى - ﷺ - الكرب واشتدّ عليه الهول، وكاد يُخالط في عقله من شدة الخوف لما يسمع ويرى، نودي من الشجرة فقيل: يا موسى! فأجاب سريعاً وما يدري من دعاه، وما كانت سرعة إجابته إلا استئناساً بالأنْس، فقال: لبيك "مراراً"، أسمع صوتك، وأُحسّ وَجْسَك (٥)، ولا أرى مكانك، فأين أنت؟ فقال (٦) : أنا فوقك ومعك وأمامك وأقرب إليك منك، فلما سمع هذا موسى علم أنه [لا] (٧)

(١)... في الأصل: تضرم. والتصويب من ب، ومن الزهد (ص: ٨٠).
(٢)... تكلّ: أي: تتعب وتعيا، يقال: كَلَّ الرجل: إذا تعِب (انظر: اللسان، مادة: كلل).
(٣)... في ب: كلما.
(٤)... زيادة من ب، ومن الزهد (ص: ٨٠).
(٥)... الوَجْسُ: الصوت الخفي (اللسان، مادة: وجس).
(٦)... في ب: قال.
(٧)... في الأصل: ما. والتصويب من ب، ومن الزهد (ص: ٨٠).
(١/٤٨٠)


الصفحة التالية
Icon