صَريف (١)، فلما عاين ذلك موسى عليه السلام ولّى مُدْبِراً، فذهب حتى أمعن، ورأى أنه قد أعْجَزَ الحية، ثم ذَكَرَ رَبّه عز وجل فوقف استحياءً منه، ثم نودي: يا موسى! إليّ، ارجع حيث كنت، فرجع وهو شديد الخوف، قال: خُذْها بيمينك ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى، وعلى موسى يومئذ مِدْرَعة (٢) من صوف قد خَلَّلَها بِخِلالٍ من عيدان، فلما أمره (٣) بأخذها ثنى طرف المدرعة على يده، فقال له مَلَكٌ: أرأيت لو أذن الله لما تُحاذر، أكانت المدرعة تغني عنك شيئاً؟ قال: لا، ولكني ضعيف، ومن ضَعْفٍ خُلِقتُ، فكشف عن يده ثم وضعها في فِيّ الحية، حتى سمع حِسّ الأضراس والأنياب، ثم قبض فإذا هي عصاه [التي] (٤) عهدها، وإذا يده في الموضع الذي كان يضعها إذا توكأ بين الشعبتين. فقال له الله: ادن، فلم يزل يُدنيه حتى أسند ظهره بجذع الشجرة فاستقر، وذهبت عنه الرّعْدَة وجمع يديه في العصا، وخضع برأسه وعنقه، ثم قال له: إني قد أقمتك اليوم مقاماً لا ينبغي لبشر بعدك أن يقوم مقامك (٥)، أدنيتك وقربتك حتى سمعت كلامي، وكنت بأقرب الأمكنة مني، فانطلق برسالتي، فإنك بعيني وسمعي، وإن معك يدي ونصري، وإني قد ألبستك [جُنَّةً] (٦) من سلطاني تستكمل بها القوة في أمري، فأنت جند عظيم من

(١)... الصريف: صوت الأنياب والأبواب (اللسان، مادة: صرف).
(٢)... المدْرَعَة: ضربٌ من الثياب التي تُلبس، وتكون من الصوف خاصة (اللسان، مادة: درع).
(٣)... في ب: أُمِرَ.
(٤)... في الأصل: الذي. والتصويب من ب، ومن الزهد (ص: ٨١).
(٥)... في الأصل زيادة: إذ. وانظر: الزهد (ص: ٨٢).
(٦)... في الأصل: محبة. والتصويب من ب، ومن الزهد، الموضع السابق.
والجُنّة: الدّرع (اللسان، مادة: جنن).
(١/٤٨٢)


الصفحة التالية
Icon