إعطائهم النَّصَفَة من أنفسهم، وكَأَنَّ الله عز وجل أَلهَمَهُمْ ذلك، وعَلَّمَ موسى عليه السلام اختيار إلقائهم أولاً، مع ما فيه من مقابلة أَدَبٍ بأَدَب، حتى يُبرزوا ما معهم من مكايد السحر، ويستنفذوا أقصى طَوْقِهِم ومجهودِهم، فإذا فعلوا أظهر الله تعالى سلطانه، وقذف بالحق على الباطل فَدَمَغَهُ، وسَلَّطَ المعجزة على السحر فَمَحَقَتْه، وكانت آية نَيِّرَةً للناظرين، وعبرة بَيِّنَةً للمعتبرين.
قوله تعالى: ﴿فإذا حبالهم وعصيهم﴾ هذه التي يقال لها: "إذا" المفاجأة، المعنى: ففاجأ حبالهم وعصيهم.
قال الزجاج (١) : يجوز في عِصِيٍ: عُصِيٌ، والكسر أكثر، والأصل الضم (٢)، إلا أن الكسر يَثْقُلُ بعد الضم، فلذلك اختير كسر العين.
﴿يُخَيَّلُ إليه﴾ يشبّه إليه، ﴿من سحرهم أنها تسعى﴾.
قال الكلبي: خُيِّل إلى موسى أن الأرض حَيَّات كلها، وأنها تسعى على بطونها (٣).
والأكثرون قرأوا: "يُخَيَّلُ" بالياء.
وقرأتُ لروح عن يعقوب: "تُخَيَّلُ" بالتاء (٤).
وموضع "أَنَّ" على قراءة الأكثرين: الرفع، على معنى: يخيل إليه سعيها.
(٢)... لأنه فعول.
(٣)... ذكره الواحدي في الوسيط (٣/٢١٤). وفي ب: بطنها.
(٤)... الحجة لابن زنجلة (ص: ٤٥٧)، والنشر (٢/٣٢١)، وإتحاف فضلاء البشر (ص: ٣٠٥).
ولم يجوِّز الطبري في تفسيره (١٦/١٨٦) غير القراءة بالياء؛ لإجماع الحجة من القُرَّاء عليه.
(١/٥٣٥)