ذلك استكانة ولا تَضَرُّع، حتى فتحنا عليهم باب الجوع الذي هو أشد من الأسر والقتل وهو أَطَمُّ العذاب، فأُبلِسُوا وخضعت رقابهم، وجاء أعتاهم وأشدهم شكيمة في العناد يستعطفك.
وقال غيره: ﴿ولقد أخذناهم بالعذاب﴾ هو الجوع والضر الذي أصابهم، ﴿فما استكانوا لربهم﴾ أي: ما تواضعوا لربهم وما انقادوا، ﴿وما يتضرعون﴾ يرغبون إليه في الدعاء.
واختلفوا في "استكانوا"؛ فقيل: هو استفعل من السُّكُون، والمعنى: ما طلبوا الكَوْن على صفة الخضوع.
وقيل: هو من السُّكُون، إلا أن الفتحة أُشْبِعَتْ، فنشأت منها ألف فصار: اسْتَكَانَ، وهو على هذا: افتعلوا. قال الشاعر في إشباع الفتحة:
فأنتَ من الغوائلِ حين تُرْمَى... ومنْ كَرَم الرِّجال بمنْتَزاح (١)
أي: بمُنْتَزَح.
قوله تعالى: ﴿حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذاب شديد﴾ متعلق بما قبله، على معنى: ولقد أخذناهم بكل عذاب ومحنّاهم بكل محنة، فما [وُجد] (٢) منهم خضوع ولا رجوع، حتى إذا فتحنا عليه باباً ذا عذاب شديد، وهو عذاب جهنم، ﴿إذا هم فيه مبلسون﴾ آيِسُون من كل خير.

(١)... البيت لابن هرمة يرثي ابنه، وهو في: اللسان (مادة: نزح، نجد)، وفيه: "ذم" بدل "كرم"، وروح المعاني (٩/١٩٤، ١٢/٢٢٨، ١٨/٥٦)، وفيه مثل اللسان "ذم" بدل "كرم".
(٢)... في الأصل: وجدنا. والمثبت من ب.
(١/١٤٧)


الصفحة التالية
Icon