واستثنائه عن الأجر، قول ذي شفقة عليك قد سعى لك في تحصيل مال: ما أطلب منك ثواباً على ما سعيت لك، إلا أن تحفظ هذا المال ولا تضيعه. فليس حفظك المال لنفسك من جنس الثواب، ولكن صوَّره هو بصورة الثواب، وسماه باسمه، فأفاد فائدتين:
إحداهما: قَلْعُ شُبْهَةِ الطمع في الثواب من أصله، كأنه يقول لك: إن كان حفظك لمالك ثواباً فإني أطلب الثواب.
والثانية: إظهار الشفقة البالغة، وأنك إن حفظت مالك اعتدَّ بحفظك ثواباً.
قوله تعالى: ﴿وتوكل على الحي الذي لا يموت﴾ أمر الله سبحانه وتعالى نبيه - ﷺ - أن يفوض أمره إليه، معتصماً به من كيد الكَفَرة ومكرهم، ومستكفياً به من شرهم، وعرّفه أن الحي الذي لا يموت، هو الذي ينبغي أن يُسْتَنَد إليه ويُعْتَمَد عليه.
قال بعض السلف: لا يصح لذي عقل أن يَثِقَ بعد هذه الآية بمخلوق، وصحبتُ شيخاً من العاملين لله [والمتنسّكين] (١) بالعلم والمتمسكين بالورع في سفر بطريق الشام، فنزلنا قريةً فعرفه بها رجل من ذوي اليسار، فقال: أنتم الليلة أضيافي، فقال له الشيخ: وليلة غدٍ أضياف من نكون؟ يشير بذلك إلى نفي الاعتماد على من هو بعَرَضِيَّةِ الفناء والنفاد، ووجوب الاستناد في طلب القُوت إلى الحي الذي لا يموت.
وسمعتُ الشيخ أبا الخطاب بن هلال الرسعني -جدّ أولادي لأمهم- يقول:
(١/٣٤١)