قال عكرمة: أرادوا المساكين الذين ليس لهم مال ولا عز (٨).
وقال ابن عباس والضحاك وعكرمة: أرادوا الحاكَة والأساكِفَة وأرباب الحرف الدنيَّة (٩).
وهذا جهل منهم وفرْط عُتوٍ، فإن الصناعات لا [أثر] (١٠) لها في باب الديانات.
وإذا استقرأت أتباع الرسل السابقين إلى مناصرتهم والإيمان بهم وجدتهم في الغالب الضعفاء والمساكين، حتى صار ذلك أمارةً لهم وعلامة على صدقهم، ولهذا قال هرقل في حديثه مع أبي سفيان لما قال له: ((من يتبعه ضعفاء الناس أم أشرافهم؟ فقال: بل ضعفاؤهم، قال: هم أتباع الرُّسُل)) (١١).
﴿قال وما علمي بما كانوا يعملون﴾ أراد عليه السلام انتفاء علمه بإخلاص أعمالهم ونَفَى اطّلاعه على [سرائرهم] (١٢) وضمائرهم؛ لأن مقصودهم بقولهم: "واتبعك الأرذلون" تحقير شأنهم، وأن إيمانهم لم يصدر عن نظر صحيح ورأي مستقيم، كما قالوا في موضع: ﴿وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي﴾ [هود: ٢٧]، فاكتفى منهم نوح بظاهر أمرهم، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى، فذلك قوله: ﴿إن حسابهم إلا على ربي﴾ (١٣) أي: ما حسابهم فيما يعملون من خير وشر إلا على ربي ﴿لو تشعرون﴾ ذلك. المعنى: ولكنكم قوم جهلة.


الصفحة التالية
Icon