الهدهد} هذا من مقلوب الكلام، أي: ما للهدهد لا أراه، وجاز مثل ذلك لوضوح المعنى، كما تقول العرب: ما لي أراك مكتئباً، أي: مَا لَكَ.
﴿أم كان من الغائبين﴾ قال: معناه: بل كان من الغائبين.
وقال الزمخشري (١) :"أم" هي المنقطعة، نظر إلى مكان الهدهد فلم يبصره فقال: ما لي لا أراه، على معنى: أنه لا يراه وهو حاضر لساتر ستره أو غير ذلك، ثم لاح له أنه غائب، فأضْرَبَ عن ذلك وأخذ يقول: أهو غائب؟ كأنه يسأل عن صحّة ما لاح له. ونحوه قولهم: إنها لإبل أم شاءٌ؟
قال ابن عباس: نزل سليمان مَنْزِلاً ولم يدْر ما بُعْد الماء، وكان الهدهد يدلُّه على الماء إذا أراد أن ينزل، فلما فَقَدَهُ سأل عنه، وذلك أن الهدهد يرى الماء في الأرض كما يرى الماء في الزجاجة (٢).
ويروى: أن نافع بن الأزرق قال لابن عباس: تزعم أن الهدهد يرى مسقاة الماء وأن الصبيّ يضعُ له الفخ فيُغطّي عليه شيئاً من التراب فيجيء فيقعُ فيه؟ فقال: ويحك، أما علمت أن القَدَر يحول دون البَصَر (٣).
وقال بعض المفسرين: إنما طلبه؛ لأن الطير كانت تظلهم من الشمس، فأخَلَّ
(٢)... ذكره الواحدي في الوسيط (٣/٣٧٣).
(٣)... أخرجه الحاكم (٢/٤٤٠ ح٣٥٢٥) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والطبري (١٩/١٤٤)، وابن أبي شيبة (٦/٣٣٦ ح٣١٨٥٢)، وابن أبي حاتم (٩/٢٨٥٩-٢٨٦٠). وذكره السيوطي في الدر (٦/٣٤٨-٣٤٩) وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس.
(١/٤٥١)