وقال أبو عبيدة (١) : فارغاً من الحزن؛ لعلمها أنه لم يَغرَق (٢).
وعجب ابن قتيبة من هذا وقال (٣) : كيف يكون كذلك والله تعالى يقول: ﴿لولا أن ربطنا على قلبها﴾ (٤) ؟! وهل يُربَطُ إلا على قلب الجازع المحزون؟!.
وقال صاحب الكشاف (٥) :"فارغاً": صفراً من العقل. والمعنى: أنها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها؛ لما دهشها (٦) من فرط الجَزَع، ونحوه: ﴿وأفئدتهم هواء﴾ [إبراهيم: ٤٣]، أي: جُوَّفٌ لا عقول فيها. ويدل عليه قراءة من قرأ: "فَزِعاً"، وقرئ: "قَرِعاً" أي: خالياً، من قولهم: أعوذ بالله من صِفْر الإناء وقَرْع الفِنَاء، و "فِرْغاً" من قولهم: دماؤهم بينهم فِرْغ، أي: هَدْر، يعني: بَطَلَ قلبُها وذهبَ، وبقيت لا قلب لها من شدة ما ورد عليها.
قلت: الذي قرأ: "فَزِعاً" بفاء معجمة بواحدة وزاي معجمة مكسورة وعين مهملة: أبو رزين والضحاك وأبو العالية وقتادة وعاصم الجحدري في آخرين (٧). وبها قرأتُ على شيخنا أبي البقاء عبدالله بن الحسين النحوي للكسائي من رواية ابن أبي سريج عنه.
ومثلهم قراءة عبدالله بن عباس ومعاذ القارئ وأبو عمران الجوني، إلا أنهم
(٢)... قال القرطبي (١٣/٢٥٥) : وقول أبي عبيدة غلط قبيح.
(٣)... تفسير غريب القرآن (ص: ٣٢٨-٣٢٩).
(٤)... في الأصل زيادة: ﴿لتكون من المؤمنين﴾ وستأتي بعد.
(٥)... الكشاف (٣/٤٠٠).
(٦)... في الكشاف: دهمها.
(٧)... انظر هذه القراءة في زاد المسير (٦/٢٠٤).
(١/٥١٦)