ووعَظَها، وسألها بالذي فلق البحر وأنزل التوراة إلا صَدَقْتِ، فتداركها الله تعالى بتوفيقه، وقالت في نفسها: يا ويلها قد عملت كل فاحشة، وما بقي إلا أن أفتري على نبي الله موسى، فقالت: لا والله، ولكل جعل لي قارون جُعلاً على أن أقذفك بنفسي، فَخَرَّ موسى عليه الصلاة والسلام ساجداً يبكي ويقول: اللهم إن كنتُ رسولك فاغضب لي، فأوحى الله تعالى إليه أني قد أمرت الأرض أن تطيعك، فَمُرْها بما شئت، فقال موسى: يا أرض خُذيه، -وهو على فراشه وسريره-، فأخذته حتى غَيَّبَتْ سريره، فلما رأى ذلك قارون ناشده بالرَّحم، فقال: يا أرض خذيه، فأخذته حتى غيّبت قدميه، ثم قال: خذيه، فأخذته حتى غيّبت ركبتيه، ثم قال: خذيه، فأخذته حتى غيّبت حقويه، وهو في ذلك كله يناشده الرَّحم ويتضرع إليه، حتى لقد قيل: ناشده سبعين مرة، وموسى لا يلتفت إليه لشدة غضبه عليه، فلم يزل يقول: خُذيه خُذيه حتى انطبقت عليه الأرض، فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى! ما أفظّك، استغاث بك سبعين مرة فلم تُغِثْهُ ولم ترحمه، أما وعزتي لو إيَّايَ دعا مرةً واحدةً لوجدني قريباً مجيباً (١).
قال قتادة: خسف الله به فهو يتجلجل في الأرض كل يوم قامةَ رجل، والله لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة (٢).
قال مقاتل (٣) : فأصبح بنو إسرائيل يتناجون فيما بينهم ويقولون: إنما

(١)... أخرجه الطبري (٢٠/١١٦-١١٧)، وابن أبي حاتم (٩/٣٠١٨) بنحوه.
(٢)... أخرجه الطبري (٢٠/١١٩)، وابن أبي حاتم (٩/٣٠٢٠). وذكره السيوطي في الدر (٦/٤٤٢) وعزاه لابن أبي حاتم.
(٣)... تفسير مقاتل (٢/٥٠٧).
(١/٥٧٦)


الصفحة التالية
Icon