قال أبو علي (١) : من جمع أتى باللفظ وفقاً للمعنى؛ لأن لكل ساكن مسكناً، والمساكن: جمع مسْكَن؛ الذي هو اسمٌ للموضع من سكن يسكن. وقرئ: "في مسكنهم" على الإفراد والكاف مفتوحة، فيشبه أن يكون جعل المسكن مصدراً، وحذف المضاف، والتقدير: في مواضع مسكنهم، أي: في مواضع سكناهم؛ لما جعل المسكن كالسكنى والسكون أفرد، كما تُفْرَد المصادر، وهذا أشبه من أن تحمله على نحو قوله:
كُلوا في نصف بطنكم تَعيشُوا........................... (٢)
ونحو ذلك مما لا يكاد يجيء إلا في الشعر.
ومن قال: "في مسْكَنِهِم" على الإفراد أيضاً والكاف مكسورة، فإن فتح الكاف أشبه؛ لأن اسم المكان من فَعَلَ يَفْعُلُ على مَفْعَل، مفتوح العين، وكذلك المصدر منه، وقد يشذُّ عن القياس المطَّرد نحو هذا، كما جاء المسجد والمطْلِع، من [طلع] (٣) يطْلُع، إلى حروف أخر، فيكون المسْكَن كذلك.
والمعنى: لقد كان لسبأ في مساكنهم علامة دالة لهم على قدرة الله تعالى وأنه هو المنعم عليهم.

(١)... الحجة (٣/٢٩٢-٢٩٣).
(٢)... صدر بيت، وعجزه: (فإن زمانكم زمن خميص). ويروى: "تعفّوا" بدل: "تعيشوا". انظر: الكتاب (١/٢١٠)، وأمالي ابن الشجري (١/١٠٨)، والمحتسب (٢/٨٧)، وشرح المفصل لابن يعيش (٥/٨)، والهمع (١/٥٠)، والدر المصون (١/١٠٨)، والحجة للفارسي (٣/١٣٠)، وزاد المسير (١/٢٨، ٤/٤٥٢)، والطبري (١/١٦٠).
(٣)... في الأصل: مطلع. والتصويب من الحجة (٣/٢٩٣).
(١/٢٢٨)


الصفحة التالية
Icon