فنهتهم فلم يطيعوها، فانطلقت مغاضبة إلى قصرها فنزلته، فلما كثر الشرّ بينهم ندموا، فأتوها وأرادوها على الرجوع إلى ملكها فأبتْ، فقالوا: ترجعين وإلا قتلناك، فقالت: إنكم لا تطيعونني وليست لكم عقول، فقالوا: إنا نطيعك، فجاءت إلى واديهم، وكان إذا مطروا أتاه السيل من مسيرة أيام، فأمرت به فردم وسدّ ما بين الجبلين بالصخر والقار، وحقنت به ماء العيون والأمطار، وجعلت له منافذ بعضها فوق بعض على [مقدار] (١) حاجتهم، فلم تزل على ذلك إلى آن من حديثها مع سليمان عليه السلام ما كان (٢).
ثم أرسل الله تعالى إليهم ثلاثة عشر نبياً على عدد قراهم، فكذبوا الرسل ولم يُقروا بنعم الله، فأرسل الله عليهم [جرذاً] (٣) نقب ذلك الردم حتى انتقض، فدخل الماء جنتيهم فغرقهما، ودفن السيل بيتهم، فذلك قوله تعالى: ﴿فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم﴾ وهو جمع عرمة، وهي الحجارة المركومة، ويقال للكَدْس من الطعام: عَرَمَة، والمراد: المُسَنَّاة (٤) التي عقدوها سَكْراً (٥)، وهذا قول مجاهد وعامة اللغويين (٦).

(١)... في الأصل: مقار.
(٢)... أخرجه الطبري (٢٢/٧٩) من حديث المغيرة بن حكيم.
(٣)... في الأصل: جراداً. والتصويب من زاد المسير (٦/٤٤٥). والجُرذ: الذَّكَر من الفأر (اللسان، مادة: جرذ).
(٤)... المُسَنَّاة: ضفيرة تُبنى للسيل لتردّ الماء؛ سميت بذلك لأن فيها مفاتيح للماء بقدر ما تحتاج إليه مما لا يَغْلِب (اللسان، مادة: سنا).
(٥)... السَّكْر: اسم ذلك السِّداد الذي يجعل سَدّاً للشق ونحوه.
(٦)... ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٦/٤٤٣-٤٤٥).
(١/٢٣١)


الصفحة التالية
Icon