﴿ولقد صَدَقَ﴾ وقرأ أهل الكوفة: "صدّق" بتشديد الدال (١).
قال أبو علي (٢) : من قرأ بالتخفيف فمعناه: أنه صَدَقَ ظَنُّهُ الذي ظَنَّهُ بهم من متابعتهم إياه إذا أغواهم، وذلك نحو قوله: ﴿قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم﴾ [الأعراف: ١٦]، ﴿ولأغوينهم أجمعين﴾ [الحجر: ٣٩] فهذا ظنُّه الذي [صدَّقوه] (٣) ؛ لأنه لم يقل ذلك على تيقن وإنما ظن ظناً، فكان كما ظن، فـ"ظنّه" على هذا ينتصب انتصاب المفعول به، ويجوز أن ينتصب انتصاب الظرف، أي: صَدَقَ عليهم إبليس في ظنه، ولا يكون على هذا متعدياً [بـ"صَدَق"] (٤) إلى مفعول به، وقد يقال: أصابَ الظنُّ، وأخطأ الظن.
ومن قال: "صَدَّقَ" بالتشديد، فإنه ينصب الظن على أنه مفعول به، وعَدَّى "صَدَّقَ" إليه. قال الشاعر:
فإن لم أُصَدِّقْ ظنّكم بتيقُّن...... فلا سَقَتِ الأوصَالَ مِنِّي الرَّواعِد (٥)
وقال غيره في قراءة من خفَّف: هو متعد؛ كقولك: صدقت فلاناً في الحديث.
قال الأعشى:
فَصَدَقْتُهُ وكذبْتُه...... والمرءُ ينفعُهُ كِذَابُه (٦)

(١)... الحجة للفارسي (٣/٢٩٦)، والحجة لابن زنجلة (ص: ٥٨٨)، والكشف (٢/٢٠٧)، والنشر (٢/٣٥٠)، والإتحاف (ص: ٣٥٩)، والسبعة (ص: ٥٢٩).
(٢)... الحجة (٣/٢٩٦-٢٩٧).
(٣)... في الأصل: صدقه. والتصويب من الحجة (٣/٢٩٦).
(٤)... زيادة من الحجة، الموضع السابق.
(٥)... انظر البيت في: الحجة للفارسي (٣/٢٩٧)، والجمل في النحو للخليل (ص: ٢١٧).
(٦)... البيت للأعشى. وهو ليس في ديوانه. وهو في: الدر المصون (٦/٤٦٦)، وابن يعيش (٦/٤٤)، والطبري (٣٠/٢٠)، والقرطبي (١٩/١٨١)، وزاد المسير (٩/١٠)، وروح المعاني (٣٠/١٦). وفي الكل الشطر الأول: فصدقتها وكذبتها.
(١/٢٣٧)


الصفحة التالية
Icon