وإنما المراد به: الانتصاب في الأمر والنهوض فيه بالهمم.
والمعنى: أن تقوموا لوجه الله خالصاً متفرقين.
﴿مثنى وفرادى﴾ اثنين اثنين وواحداً واحداً، ﴿ثم تتفكروا﴾ في أمر محمد - ﷺ - وما جاء به، ويعرض كل واحد منكم محصول ما أداه فكره إليه على شريطة المناصعة وعزل الهوى، أو يراجع رشده إذا خلا بنفسه وأمعن النظر، فإنكم إن فعلتم ذلك هجم بكم الفكر الصالح على النظر الصحيح وأصبتم طريق الحق.
فإن قيل: لم أمرهم بالقيام مثنى وفُرادى فقط؟
قلت: لغرض صحيح نعرفه عن استعداء العادات، وهو أن الجموع الوافرة والعصب المتكاثرة يوجب اضطراب آرائها واختلاف أهوائها اختلاط القول وتوقد ثائرة التعصب، وهذا أمر لا يجامعه الإنصاف غالباً وظاهراً.
وفي قوله تعالى: ﴿ما بصاحبكم من جِنَّة﴾ إشعار بأن هذا الأمر العظيم الذي ينتظم في سلك المبعوث به سياسة الملك ورئاسة الدين، لا يتصدى لادعاء مثله إلا أحد رجلين؛ مجنون لا يبالي عند ظهور عجزه عن إثبات صحة ما ادعاه بالافتضاح، أو عاقل مؤيد بالعجز [مصطفىً] (١) للنبوة، وإلا فما يحمل العاقل على مثل هذه الدعوى التي يبقى صاحبها بعرضة السخرية والاستهزاء إذا لم يثبت، وقد علمتم أن محمداً - ﷺ - ما به من جِنَّة، بل علمتموه أرزن قريش حلماً، وأغزرهم مروءة، وآصلهم رأياً، وأصدقهم لساناً، وأجمعهم لمكارم الأخلاق.
﴿إن هو إلا نذير لكم﴾ أي: ما هو إلا مخوف لكم ﴿بين يدي عذاب شديد﴾

(١)... في الأصل: مطفىً.
(١/٢٥٦)


الصفحة التالية
Icon