فانطلق جبريل عليه السلام إلى الحوت فأخبره، فانطلق الحوت بيونس وهو يقول: يا رب استأنست في البحر بتسبيح عبدك، واستأنست به دواب البحر، وكنت أزكى شيء به، وجعلت بطني له مُصلَّى يقدّسك فيه، فقدّست به وما حولي من البحار فتخرجه عني بعد أنس كان به، قال الله تعالى: إني أقلته عثرته ورحمته فأَلقِه، قال: فجاء به إلى حيث ابتلعه ببلد على شاطئ دجلة، فدنا جبريل من الحوت وقَرَّبَ فاه من فِيِّ الحوت فقال: السلام عليك يا يونس، رب العزة يقرئك السلام، فقال يونس: مرحباً بصوت كنتُ خشيتُ أن لا أسمعه أبداً، مرحباً بصوت كنتُ أرجوه قريباً من سيدي، ثم قال جبريل للحوت: اقذف يونس بإذن الله تعالى الرحمن، فقذفه مثل الفَرْخ الممْعُوط (١) الذي ليس عليه ريش، فاحتضنه جبريل.
قال الحسن: فأنبت الله تعالى عليه شجرة من يَقْطين، وهو الدُّبَّاء، وكان لها ظل واسع يستظل به، وأمرت أن ترضعه أغصانها، فكان يرضع منها كما يرضع الصبي.
وعن [الحسن] (٢) قال: بعث الله تعالى إلى يونس وَعْلَة من وُعُول الجبل يدرّ ضرعها لبناً، حتى جاءت إلى يونس وهو مثل الفرخ، ثم ربضت وجعلت ثديها في فِيّ يونس، فكان يَمُصُّهُ كما يَمُصُّ الصبي، فإذا شبع انصرفت، فكانت تختلف إليه حتى اشتد ونبت عليه شعرُه خلقاً جديداً، ورجع إلى حاله قبل أن يقع في بطن الحوت، فمرَّتْ به مارَّة فكسُوه كساء، فبينا هو ذات يوم نائماً إذ أوحى الله تعالى إلى الشمس أن احرقي شجرة يونس فأحرقتها، فأصابت الشمس جلده فأحرقته،

(١)... مَعِطَ شعرُهُ وجِلْدُه مَعْطاً، فهو أمْعَط، ورجلٌ أمْعَط: لا شعر له على جسده (اللسان، مادة: معط).
(٢)... في الأصل: أحسن.
(١/٤٢٦)


الصفحة التالية
Icon