وعطف مثلها في أول السورة بالواو؟
قلتُ: السبب في ذلك: أن هذه وقعت مسببة عن قوله تعالى: ﴿وإذا ذكر الله وحده اشمأزت﴾ [الزمر: ٤٥] على معنى: أنهم يشمئزون عن ذكر الله تعالى ويستبشرون بذكر الآلهة، فإذا مسّ أحدهم ضرٌ دعا من اشمأز من ذِكْرِه، دون من استبشر بذِكْرِه، وما بينهما من الآي اعتراض.
وأما الآية الأولى فلم تقع مسببة، وما هي إلا جملة ناسبت جملة قبلها فعطفت عليها بالواو؛ كقولك: قام زيد وقعد عمرو.
قوله تعالى: ﴿قد قالها الذين من قبلهم﴾ أي: قد قال هذه الكلمة أو هذه المقالة أو هذه الجملة من الكلام الذين من قبلهم.
وقرئ: "قاله الذين من قبلهم" (١) : قارون وقومه، حيث قال: ﴿إنما أوتيته على علم عندي﴾ [القصص: ٧٨] وقومه راضون بها، فكأنهم قالوها.
وقال السدي: هم الأمم الماضية (٢).
يشير إلى أن فيهم من قال مثل هذه المقالة.
﴿فما أغنى عنهم﴾ "ما" نافية أو استفهامية ﴿ما كانوا يكسبون﴾ من متاع الدنيا ويجمعون منه.
قوله تعالى: ﴿والذين ظلموا من هؤلاء﴾ أي: من مشركي مكة وأضرابهم ﴿سيصيبهم سيئات ما كسبوا﴾ أي: جزاء سيئاتهم كما أصاب الذين من قبلهم، فأصابهم ذلك يوم بدر بقتل صناديدهم وحبس القطر عنهم سبع سنين، ثم بسط

(١)... ذكر هذه القراءة أبو حيان في: البحر (٧/٤١٦)، والسمين الحلبي في: الدر المصون (٦/١٩).
(٢)... أخرجه الطبري (٢٤/١٣). وذكره السيوطي في الدر (٧/٢٣٤) وعزاه لابن جرير.
(١/٥٦١)


الصفحة التالية
Icon