القاف-، فمعناه أن تكون مثله في السنّ. قال ابن هَرْمَة:
وأقْرَنْتُ ما حَمَّلتني ولَقَلَّمَا...... يُطاقُ احتمالُ الصَّدِّ يا دَعْدُ والهَجْر (١)
﴿وإنا إلى ربنا لمنقلبون﴾ أي: راجعون في الآخرة.
سَنَّ الله تعالى لراكب الفُلْكِ والإبل قولَ هذا، بعد ذكر النعمة وشكرها، وتنزيه المنعم بها، والاعتراف بالعجز عن الاستيلاء عليها، لولا تسخيره جَلّت عظمته؛ لأنها حالة لا يؤمن فيها التلف، خصوصاً راكب البحر.
ولقد قيل لبعضهم بعد خروجه من البحر: ما أعجب ما رأيت فيه؟ قال: سلامتي.
فينبغي للمتلبس بهذه الحالة استذكار الآخرة والاستعداد لها، فليجتلب ما ينجيه؛ من طاعة الله، ويجتنب ما يرديه من معصيته، ولا يتخذ ذلك مقراً لفسقه ولهوه، كعادة أكثر ملوك زماننا وأتباعهم وأضرابهم، يشربون الخمور، وتضرب لهم القيان بالمعازف على صهوات الخيل، وفي البحور، لا يرجون لله تعالى وقاراً، ولا يعرفون نعم الله عليهم، ولا يخشون هجوم الموت وهم في مثل هذه الحالة، التي هلك بسببها خلق كثير، ما ذاك إلا استيلاء الغفلة على قلوبهم، وقلة المبالاة بأمر آخرتهم.
أخرج الإمام أحمد رضي الله عنه في مسنده، ومسلم في صحيحه -واللفظ للإمام- من رواية عبدالله بن عمر: ((أن النبي - ﷺ - كان إذا ركب راحلته -يعني: للسفر- كَبَّر ثلاثاً، ثم قال: {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا

(١)... البيت لابن هرمة، وهو في: البحر (٨/٩)، والدر المصون (٦/٩٣)، وروح المعاني (٢٥/٦٩)، والكشاف (٤/٢٤٤).
(١/١٠٣)


الصفحة التالية
Icon