ويروى عن حذيفة في هذه الآية أنه قال: من أتى كبيرة مما أوعد الله تعالى عليها النار حطت ما قبلها من حسناته.
وقال مقاتل (٢) : لا تبطلوها بالمن. وذلك أن قوماً أتوا رسول الله - ﷺ - فقالوا: أتيناك طائعين فلنا عليك حق، فنزلت هذه الآية، ونزل قوله تعالى: ﴿يمنون عليك أن أسلموا﴾ [الحجرات: ١٧].
وقال ابن السائب: لا تبطلوها بالرياء والسمعة (٣).
وهذا والذي قبله هو التفسير الصحيح.
ومن تصفح كتاب الله واستقرأ سنة رسوله - ﷺ - حصل له العلم والجزم بأن الحسنات يذهبن السيئات، ولا كذلك بالعكس، فإن الحسنات لا يذهبها بعد القضاء بكونها حسنات إلا الكفر، والمن والأذى، وهذا هو الأليق بفضل الله تعالى ورحمته، والأشبه بعدله جل وعز، ولهذا قال رسول الله - ﷺ - لحكيم بن حزام حين قال له: ((أرأيت أشياء كنت أتحنث بها في الجاهلية، فقال له عليه الصلاة والسلام: أسلمتَ على [ما] (٤) سلف لك من خير)) (٥).
فلم يجعل كفره ومعاصيه مبطلة لتلك الأعمال الصالحة الموجودة منه حال كفره.
قال القاضي أبو يعلى رحمه الله: هذه الآية تدل على أن من دخل في قربة لم يجز

(١)... أخرجه الطبري (٢٦/٦٢). وذكره السيوطي في الدر (٧/٥٠٤) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير.
(٢)... تفسير مقاتل (٣/٢٤١).
(٣)... ذكره الماوردي (٥/٣٠٦)، وابن الجوزي في زاد المسير (٧/٤١٢).
(٤)... زيادة من الصحيحين.
(٥)... أخرجه البخاري (٢/٧٧٣ ح٢١٠٧)، ومسلم (١/١١٣ ح١٢٣).
(١/٢٨٠)


الصفحة التالية
Icon