قوله تعالى: ﴿اجتنبوا كثيراً من الظن﴾ قال الزجاج (١) : هو أن تظن بأهل الخير سوءاً. فأما أهل السوء والفسق فلنا أن نظن بهم مثل الذي ظهر منهم.
قال سعيد بن جبير: هو الرجل يسمع من أخيه كلاماً لا يريد به سوءاً، [أو يدخل] (٢) مدخلاً لا يريد به [سوءاً] (٣)، فيراه أخوه المسلم فيظن به سوءاً (٤).
قال القاضي أبو يعلى بن الفراء رضي الله عنه: هذه الآية تدل على أنه لم يُنْهَ عن جميع الظن، والظن على أربعة أضرب: محظور، ومأمور به، ومباح، ومندوب إليه.
فأما المحظور: فهو سوء الظن بالله تعالى، والواجب حسن الظن بالله تعالى، وكذلك سوء الظن بالمسلمين الذين ظاهرهم العدالة محظور.
وأما الظن المأمور به: فهو ما لم ينتصب عليه دليل يوصل إلى العلم به، وقد تُعُبّدنا بتنفيذ الحكم فيه [والاقتصار] (٥) على غالب الظن، وذلك نحو ما تُعُبِّدنا به من قبول شهادة العدول، وتحرّي القِبلة، وتقويم المستهلكات، وأروش الجنايات، التي لم يرد بمقاديرها توقيف.
وأما الظن المباح: كالشاكّ في الصلاة إذا كان إماماً، أمره النبي - ﷺ - بالتحري والعمل على ما يغلب على ظنه، فإن فعله كان مباحاً، وإن عدل عنه إلى البناء على اليقين كان جائزاً.

(١)... معاني الزجاج (٥/٣٦-٣٧).
(٢)... في الأصل: ويدخل. والمثبت من ب.
(٣)... في الأصل: سواء. والتصويب من ب.
(٤)... ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٧/٤٦٩).
(٥)... في الأصل: والإقصار. والمثبت من ب.
(١/٣٥٢)


الصفحة التالية
Icon