وعبتَ آلهتنا، وفرّقت كلمتنا، فإن كان هذا المال تبغيه جمعنا لك أموالنا حتى تكون أيسرنا، وإن كنت تميل إلى الرئاسة رأسناك علينا ولم نقطع أمراً دونك، وإن كان لرأي من الجن يعتادك أعذرنا في الجد والاجتهاد حتى ينصرف عنك، فإن الرأي قد يحمل صاحبه على ما لا يصل إلى بذله، ورسول الله - ﷺ - ساكت يسمع، فلما سكت عتبة قال له رسول الله - ﷺ -: اسمع يا أبا الوليد ما أقول: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم * حم * تنزيل من الرحمن الرحيم * كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون * بشيراً ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون﴾ ومضى رسول الله - ﷺ - في القراءة حتى انتهى إلى السجدة فسجد، وعتبة مُصْغ يستمع، قد اعتمد على يديه من وراء ظهره، فلما قطع رسول الله - ﷺ - القراءة قال: يا أبا الوليد قد سمعتَ الذي قرأت عليك فأنت وذاك، فانصرف عتبة إلى قريش في ناديها فقالوا: والله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي مضى به من عندكم، ثم قالوا له: وما وراءك أبا الوليد؟ فقال: والله لقد سمعت من محمد كلاماً ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا السحر، ولا الكهانة فأطيعوني في هذه، وأنزلوها بي، خلوا محمداً وشأنه واعتزلوه، فوالله ليكون لما سمعت من قوله نبأ، [فإن] (١) أصابته العرب كفيتموه بأيدي غيركم، وإن كان ملكاً أو نبياً كنتم أسعد الناس به؛ لأن ملكه ملككم، وشرفه شرفكم، فقالوا: هيهات، سحرك محمد يا أبا الوليد، فقال: هذا رأيي لكم فاصنعوا ما شئتم (٢).

(١)... في الأصل: فا.
(٢)... أخرجه البيهقي في الدلائل (١/٢٢١). وذكره ابن إسحاق في السيرة النبوية (٢/١٣٠-١٣٢)، والسيوطي في الدر (٧/٣٠٩) وعزاه لابن إسحاق وابن المنذر والبيهقي في الدلائل وابن عساكر.
(١/٤)


الصفحة التالية
Icon