قوله تعالى: ﴿ولو بسط الله الرزق لعباده﴾ قال خباب بن الأرت: فينا نزلت هذه الآية، وذلك أنا نظرنا إلى أموال بني قريظة وبني النضير وبني قينقاع فتمنيناها، فأنزل الله تعالى: ﴿ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض... الآية﴾ (١).
والمعنى: لو وسع عليهم فيه لطغوا وتطاول بعضهم على بعض. وشاهدُ صحةِ ذلك ما عُرف وأُلف من أحوال ذوي البسطة في المال والقدرة.
وقيل: هو من البغي الذي هو بمعنى الكبر، أي: لتكبروا في الأرض وراموا العلو فيها.
قال ابن عباس: بغيُهم طلبُهم منزلة بعد منزلة، ودابة بعد دابة، ومركباً بعد مركب، وملبساً بعد ملبس (٢).
قال بعض السلف: لو رزق الله تعالى العباد بغير كسب لطغوا وبغوا وسعوا في الأرض فساداً، ولكن شغلهم بالكسب والمعاش رحمةً منه وامتناناً (٣).
﴿ولكن ينزل بقدر ما يشاء﴾ أي: ينزل أرزاقهم بمقدار تقتضيه حكمته وعلمه.
﴿إنه بعباده خبير بصير﴾ فهو يعلم ما فيه صلاحهم وفسادهم.
فإن قيل: نرى البغي موجوداً في الأرض بدون البسط في الرزق؟
قلتُ: لعمري إنه لموجود، لكنه لو بسط لهم الرزق لتضاعف البغي بتضاعفه، فكأن عدم البسط مقللاً لا مزيلاً بالكلية.
(٢)... ذكره القرطبي في تفسيره (١٦/٢٧).
(٣)... أخرجه الثعلبي (٨/٣١٧) من قول شقيق بن إبراهيم الزاهد.
(١/٧٥)