موضع من الوجه، ولذلك جعلوه مكان العزّ والحميّة، وقالوا: أحمى من أنف الأسد، واشتقوا منه الأَنَفَة، وقالوا: شامخ العِرْنِين. وقالوا في الذليل: جُدع أنفه، ورَغَم أنفه، فعبّر بالوسم على الخرطوم عن غاية الإذلال والإهانة.
ويُروى عن ابن عباس: سنخطمه بالسيف، فيكون علامة باقية على أنفه ما عاش، فقاتل يوم بدر فخُطِم بالسيف (١).
ومن الأقوال التي تحكى للقدْح فيها لا للأخذ بها، قول النضر بن شميل: المعنى: سنحُدّه على شُرب الخمر. والخُرْطوم: الخَمْر، والجمع: خراطيم (٢). قال الشاعر:
تَظَلُّ يومكَ في لَهْوٍ وفي لَعبٍ... وأنتَ [بالليل] (٣) شَرَّابُ الخراطيم (٤)
وهذا تعسّف في التأويل؛ لأن الله ذمّه بأوصاف أيسرها مُوبق. ثم ختم ذلك بقوله: ﴿إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين﴾ أفَتُراه [يعدل] (٥) عن التهديد والوعيد على هذه العظائم الموبقة إلى الوعيد على شربه الخمر، وهو كافر مكذّب؟ وكيف يكون ذلك وشُرب الخمر لم يكن حين نزول هذه الآية محرّماً بإجماع أهل العلم؛ لأن تحريمه كان بالمدينة، وهذه السورة مكية؟

(١)... أخرجه الطبري (٢٩/٢٨). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨/٣٣٤)، والسيوطي في الدر (٨/٢٤٩-٢٥٠) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه.
(٢)... ذكره القرطبي (١٨/٢٣٨).
(٣)... في الأصل: في الليل. والمثبت من ب، ومصادر البيت.
(٤)... البيت للأعرج. وهو في: القرطبي (١٨/٢٣٨)، والبحر (٨/٣٠٠)، والدر المصون (٦/٣٥٤)، وروح المعاني (٢٩/٢٩).
(٥)... في الأصل: يقول. والتصويب من ب.
(١/٢٢٩)


الصفحة التالية
Icon