مضغة. يشير بذلك إلى أنهم من أصل واحد، ومادة واحدة، وأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالإيمان والتقوى، فكيف يتعظّمون على المؤمنين ويعتقدون أنهم أولى بالجنة منهم لشرفهم.
قال قتادة في هذه الآية: إنما خُلقت يا ابن آدم من قذر، فاتَّق الله تعالى (١).
وفي الحديث: «أن رسول الله - ﷺ - تلا هذه الآية ثم بزق على كفه ثم قال: يا ابن آدم! أنّى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا سويتك وعدّلتك مشيت بين بُرْدَين (٢)، وللأرض منك وئيد (٣)، فجمعت ومنعت، حتى إذا بلغت التراقي (٤) قلت: أتصَدَّقُ، وأنّى أوان الصدقة؟!» (٥).
وقيل: المعنى: إنا خلقناهم مما يعلمون، أي: من أجل ما يعلمون، وهو الطاعة، على حذف المضاف. المعنى: فما عملوا بها فلا يدخلون الجنة.
فإن قيل: هؤلاء كفارٌ فمن أين عَلِمُوا أنهم خُلقوا للطاعة؟
قلتُ: عَلِمُوا ذلك من براهين العقل، وأدلة السمع الواردة على ألْسِنَة الرسل صلى الله عليهم.
وقال صاحب الكشاف (٦) : المعنى: كلا إنهم منكرون للبعث والجزاء؛ فمن
(٢)... البَردان والأبردان: الغداة والعشي، وقيل: ظلاّهما (اللسان، مادة: برد).
(٣)... الوئيد: شدة الوطء على الأرض كالدَّوي من بُعد (اللسان، مادة: وأد).
(٤)... التراقي: جمع ترقوة، وهي: العظم الذي بين ثُغرة النحر والعاتق من الجانبين (اللسان، مادة: ترق).
(٥)... أخرجه أحمد (٤/٢١٠)، والحاكم (٢/٥٤٥ ح٣٨٥٥) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي فقال: صحيح.
(٦)... الكشاف (٤/٦١٦).
(١/٢٨٨)