فتنساه (١).
ويروى عن ابن عباس: أن النبي - ﷺ - كان إذا نزل عليه جبريل بالوحي يُبادره بالقراءة خوف النسيان، فنزلت هذه الآية (٢). وقد ذكرنا مثل ذلك عند قوله: ﴿لا تحرك به لسانك لتعجل به﴾ [القيامة: ١٦]، فيكون ذلك خارجاً مخرج البشارة له بأنه لا ينسى ما جاءه [به جبريل] (٣) من القرآن، استنزالاً له - ﷺ - عن ذلك الحرص المفرط، وتثبيتاً لقلبه الكريم.
وقيل: إلا ما شاء الله مما عساه أن تنساه، ثم [تتذكّره] (٤) بعد ذلك على ما عليه عادة المَهَرَة من القرّاء.
وقيل: هو استثناء لما لا يقع.
قال الفراء (٥) : لم يشأ أن ينسى شيئاً، وإنما هو كقوله: ﴿خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك﴾ [هود: ١٠٧] ولا يشاء.
وقيل: إن قوله: ﴿فلا تنسى﴾ نهي للنبي - ﷺ - عن النسيان، والألف مزيدة للفاصلة، كقوله: "السبيلا"، و"الرسولا"، و"الظنونا". فيكون المعنى: فلا تُغفل قراءته ودراسته فتنساه إلا ما شاء الله أن يُنسيكه برفع تلاوته.
﴿إنه يعلم الجهر﴾ من القول والفعل ﴿وما يخفى﴾ منهما.

(١)... أخرجه الطبري (٣٠/١٥٤). وذكره الماوردي (٦/٢٥٣)، وابن الجوزي في زاد المسير (٩/٩٠).
(٢)... أخرجه الطبراني في الكبير (١٢/١٢٠ ح١٢٦٤٩). وذكره السيوطي في الدر (٨/٤٨٣) وعزاه للطبراني وابن مردويه.
(٣)... في الأصل: جبريل به. والمثبت من ب.
(٤)... في الأصل: تذكره. والتصويب من ب.
(٥)... معاني الفراء (٣/٢٥٦).
(١/٥٩٠)


الصفحة التالية
Icon