بشجر في كل زقاق منها قد أثمرت تلك الأشجار، وتحت الشجر أنهار مُطّرِدَة يجري ماؤها من قنوات من فضة، كل قناةٍ أشدُّ بياضاً من الشمس. فقال الرجل: والذي بعث محمداً - ﷺ - بالحق ما خلق الله مثل هذا في الدنيا، وإن هذه هي الجنة التي وصفها الله تعالى في كتابه، فحمل معه من لؤلؤها ومن بنادق المسك والزعفران، ولم يستطع أن يقلع من زبرجدها ولا من ياقوتها شيئاً، فأخذ ما أراد وخرج، ورجع إلى اليمن فأظهر ما كان معه، وأعلم الناس أمره، وباع بعض ما حمل، فلم يزل أمره ينمى حتى بلغ معاوية خبره، فأرسل في طلبه حتى قدم عليه، فخلا به وقصّ عليه ما رأى، فأرسل معاوية إلى كعب الأحبار، فلما أتاه قال: يا أبا إسحاق! هل في الدنيا من مدينة من ذهب وفضة؟ قال: نعم، أُخبرك بها وبمن بناها، إنما بناها شداد بن عاد. فأما المدينة فإرم ذات العماد التي وصفها الله عز وجل في كتابه، وهي التي لم يخلق مثلها في البلاد. قال معاوية: فحدثني حديثها فقال: إن عاداً الأولى ليس عاد قوم [هود] (١)، وإنما هود وقوم هود وَلَدُ ذلك الرجل، وكان عاد له ابنان شدّاد وشديد، فهلك عاد، فبقيا ومَلَكا وقهَرَا البلاد، وأخذاها عنوة، ثم مات شديد، وبقي شداد فملك وحده، ودانت له ملوك الأرض، وكان مولعاً بقراءة الكتب، كلما مَرَّ فيها بذكر الجنة دعته نفسه إلى بناء مثلها عُتُوّاً على الله عز وجل، فأمر بصنعة تلك المدينة إرم ذات العماد، وأمَّرَ على صنعتها مائة قهرمان، مع كل قهرمان ألف من الأعوان، وكتب إلى كل ملك في الدنيا أن يجمع ما في بلاده من الجواهر، وكان تحت يده مائتان وستون ملكاً، فخرج القهارمة وتبدَّدُوا في الأرض ليجدوا ما

(١)... في الأصل: هو. والتصويب من ب.
(١/٦١٥)


الصفحة التالية
Icon