فقد أجاب عنه صاحب الكشاف فقال (١) : أما تنكير النفس فاستقلال للأنفس النواظر فيما قدّمن للآخرة، كأنه قال: فلتنظر نفس واحدة في ذلك.
وأما تنكير الغد فلتعظيمه وإبهام أمره، كأنه قيل: لغد لا يُعرف كُنهه لِعِظَمه.
فإن قيل: بين نزول هذه الآية وبين يوم القيامة زمن طويل، فما معنى قوله: "لغد"؟
قلتُ: عنه جوابان:
أحدهما: أنه أراد تقريبه، فجعله في القُرب بمنزلة الغد؛ تهييجاً لدواعي العباد على الاستعداد له والعمل لأجله، كما قرّب زمن إهلاك القرون الماضية فقال: ﴿كأن لم تغن بالأمس﴾ [يونس: ٢٤] ؛ [ليكون] (٢) ذلك في جهة الاعتبار والادّكار، كأنه بالنسبة إلى يومهم الحاضر أمسهم الذاهب، فإنه أبلغ في الموعظة والتخويف.
الثاني: أنه عبّر عن الآخرة بالغد؛ تنزيلاً للآخرة والدنيا على أنهما نهاران: يوم وغد.
فإن قيل: لم كرّر الأمر بالتقوى؟
قلتُ: عنه جوابان:
أحدهما: أنه كرّره توكيداً، وهذا [باب] (٣) واسع في كلام العرب والكتاب العزيز. وقد سبق ذكره في مواضع.
والثاني: أن الأمر الأول بالتقوى يجوز أن يكون المراد به: اتقوا الله في [امتثال ما
(٢)... في الأصل: لكون. والتصويب من ب.
(٣)... في الأصل: بيان. والتصويب من ب.
(١/٧٢)