لاهُمَّ إنَّ المرءَ يمنعُ... رَحْلَهُ فامنعْ حِلاَلَك
لا يغلبنَّ صليبُهم... ومِحَالُهم عَدْواً مِحَالَك
جَرُّوا جُموعَ بلادِهم... والفيلّ كيْ يسْبُوا عِيالَك
عَمَدُوا حِمَاكَ بكيْدِهِم... جَهْلاً وما رَقَبُوا جَلالَك
إنْ كنتَ تاركَهُم وكَعْـ... ـبَتَنَا فأمْرٌ ما بَدَا لَك (١)
ثم إن أبرهة أصبح متهيئاً للدخول، فقدّم الفيل، فكانوا كلما وجهوه إلى الحرم برك ولم يبرح، فإذا وجهوه إلى اليمن أو إلى غيره من الجهات هرول، فأرسل الله عليهم طيراً من البحر أمثال الخطاطيف (٢)، مع كل طير منها ثلاثة أحجار، حجران في رجليه وحجر في منقاره، أمثال الحمص والعدس، فلما غشين القوم أرسلنها عليهم، فلم تصب أحداً إلا هلك، ولم تُصب كل القوم، فخرج من لم تُصبه الحجارة منهم يبتدرون الطريق الذي جاؤوا منه، وماج بعضهم في بعض، وهلكوا في كل طريق ومنهل، وبعث الله على أبرهة داء في جسده، فجعلت أنامله تتساقط، كلما سقطت أنملة تبعتها أنملة من قيح ودم، فانتهى إلى صنعاء وهو مثلُ فرخ الطير فيمن بقي من أصحابه، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه (٣).
(٢)... الخُطّاف: الطائر المعروف، الذي تدعوه العامة: عصفور الجنة (اللسان، مادة: خطف).
(٣)... أخرج القصة بطولها: الطبري (٣٠/٣٠٠-٣٠٣)، والأزرقي في تاريخه (١/٢١٩-٢٢٧). وانظر: سيرة ابن هشام (١/١٦٣-١٧٣)، وتاريخ الطبري (١/٤٣٩-٤٤٣).
(١/٧٣٥)