والمعنى: استعذ بالله من شر سحرهن.
﴿ومن شر حاسد إذا حاسد﴾ وقد ذكرنا الحسد وما جاء فيه وفي ذمّه في سورة البقرة.
قال صاحب الكشاف (١) : إن قلت: قوله: ﴿من شر ما خلق﴾ تعميم في كل ما يستعاذ منه، فما معنى الاستعاذة [بعده] من الغاسق والنفاثات والحاسد؟
قلتُ: قد خصّ شر هؤلاء من كل شر؛ لخفاء أمره، وأنه يلحق الإنسان من حيث لا يعلم، كأنما يغتال به.
فإن قلت: لم عَرَّف بعض المستعاذ منه ونَكَّر بعضه؟
قلتُ: عرّف "النفاثات"؛ لأن كل نفاثة شريرة، ونكّر "غاسق"؛ لأن كل غاسق لا يكون فيه الشر، إنما يكون في بعض دون بعض، وكذلك كل حاسد لا يضر. ورب حسد محمود، وهو الحسد في الخيرات. ومنه قوله عليه السلام: «لا حسد إلا في اثنتين» (٢).
وقال:
............................. إن العُلَى حَسَنٌ في مِثْلِها الحَسَد (٣)
وبالإسناد السابق قال أبو بكر السني: أخبرنا أبو عبد الرحمن -يعني: النسائي-، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب،

(١)... الكشاف (٤/٨٢٧).
(٢)... أخرجه البخاري (١/٣٩ ح٧٣)، ومسلم (١/٥٥٨ ح٨١٥).
(٣)... عجز بيت لأبي تمام الطائي، وصدره: (واعذر حسودك فيما قد خصصت به). وهو في: الكشاف (٤/٨٢٧)، والبحر المحيط (٨/٥٣٤).
(١/٧٧٨)


الصفحة التالية
Icon