فهذا النص يدلنا على هذا التكبر والطغيان. ونجد في سورة القصص تكبراً لعامة الناس عن مساعدة النساء، وهو ما ورد في قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ ((١))، فهذا النص دال على أن هؤلاء الناس في (مدين) كانوا على درجة عالية من قلة الأدب، ومن العلو ومن التكبر الواضح في سقي رعائهم لأنفسهم، وفي منعهم النساء من السقي، (والنص يشعر بأن هذا الفعل يومي متجدد). وفي ذلك يقول بعض الباحثين: " تشعر هذه الآية ((٢)) إن موسى (- عليه السلام -) كان يحمل من التواضع الشيء العظيم، وإن شعب مدين كان يحمل من التكبر والتجبر الشيء العظيم، ويبدو أنهم كانوا من تلك الشعوب التي تنظر إلى المرأة نظرة دونية " ((٣)).
ويعود السياق القرآني ليرينا صورة أخرى من صور تكبر وطغيان فرعون: ﴿وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ﴾ ((٤))، فالآية الشريفة مشعرة بان فرعون كان إذ يستكبر في الأرض يظن الخلود، وأنه لا يرجع إلى الله تعالى، ويبدو أنها كانت عقيدة جنوده كذلك على ما يوحي به السياق.
ويقول تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا﴾ ((٥)).
(٢) أي الآية ٢٣ من سُوْرَة الْقَصَصِ.
(٣) ينظر الصفة الإنسانية في الَقُرْآن الكَرِيم. أحمد عَبْد الله. مكتبة الناشر العربي. دمشق. ١٩٨٨ م.: ص١١٩ – ١٢٠.
(٤) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٣٩.
(٥) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٥٨.